تحت رعاية مركز الاشعاع الفكري للدراسات والبحوث
تنويه: جميع المقالات المنشورة على الموقع تعبر عن وجهات نظر كتابها ، دون أدنى مسئولية على إدارة المجلةد. شكري عزيز أي حضور وأي تفاعلية” تقديم: يعد فن النحت من الآليات والوسائل التعبيرية الفنية في تعامله مع المادة، الكتلة، والشكل، لتختلف فيه المواضيع المطروحة بحسب التمشي الفني المعتمد، فتتنوع الأساليب والتقنيات كما من المواد والخامات خدمة للموضوع والذي يتوزع بين التشخيص والتجريد. فالنحت شكل تعبيري داخل الفضاء وبروز فيه كشكل تفاعلي مفضي للقراءة والفهم بحسب ما تمنحه العناصر المكونة لهذا الأخير. من هذا الإطار، تعبير عن شكل الحضور في المنحوتة وماهيتها داخل الفضاء، إلى جانب أغراضها المعرفية والفكرية كما من طرحها الجمالي شكلا ومضمونا. فإن تنوع التعبيرات والمواضيع النحتية مع انفتاحها على عناصر تكنولوجية، يمكن لها أن تسهم في دعم الممارسة الفنية وتفتح لها مجالا أرحب في أبراز الرؤية التشكيلية في حد ذاتها. فالمنحوتة بوصفها شكل تعبيري وأثر فني محمل بالفكر ومستوعب لامتلاءات الفنان، هي أيضا حضور في الفضاء على اختلاف تحديداته (مغلق، مفتوح)، أي حضور كشكل تفاعلي داخل الفضاء أو بروز وتعيين فيه. فالنحت أسلوب والمنحوتة نتيجة تستقرئ في فضائها كبنية متكاملة وهو ما يمكن أن نعبر عنه بأسلوب وطريقة العرض التي تكسبها دلالتها الخاصة سواء في ذاتها أو في تفاعليّتها داخل الفضاء. من هنا طرح لشكل المنحوتة وأغراضها الفنية والتعبيرية، والتي تحمل للقراءة الجمالية وتموقعها في صيرورة الفن وراهنيته كفكر وممارسة، وأيضا إلى قيمة الفضاء وخصوصيته كحاضن للمنحوتة سواء في شكله المحايد أو التفاعلي معها، وهو المجال الذي يطرح عبره استدلالات العمل النحتي كأثر وكموضوع، أي حضور وأي معنى ؟، كما من أهمية ودور الفضاء في شكله العام في تحقيق غاية الأثر الفني في حد ذاته وبروزه لتكتمل الصياغة الفنية ولتقبل بتفاعلية لدى المشاهد عبر استقراءات الفضاء ومكوناته. إن هذه العلاقات بين المنحوتة في شكلها العام والفضاء في شكله الخاص، يمكن أن تثير الجدلية القائمة الآن في علاقة بالفضاءات العمومية في تونس، وتموضع المنحوتات أو المجسمات فيها، مما يطرح أسئلة عن قيمة العمل الفني النحتي، أي حضور؟ وأي تفاعلية في علاقة بالفضاء كمحقق لهذه الأخيرة؟ وأي أبعاد فكرية وفنية وجمالية تتحقق عبر هذه العناصر؟. عبر هذه التحديدات الأولية تتنزل الإشكالية التالية: جدلية حضور العمل النحتي في الفضاء العمومي ، بين انفتاح الرؤية والقراءة الجمالية، وضياع الفكر وتشويه المضمون. حدود البحث: تتمثل حدود البحث، في قراءة العلاقة الكامنة بين العمل النحتي أو المجسم بالفضاء العمومي كحاضن لهذا الأخير عبر بعض النماذج، كعناصر متكاملة أو متنافرة، ومنه إلى بيان المتغيرات الممكنة فيهما والمانحة لقراءة فتقبّل جديد ومتغير. أهداف البحث: يهدف البحث إلى دراسة أشكال حضور العمل النحتي والمجسمات في الفضاءات العمومية، واستبيان مدى تحقق القيم الفنية والجمالية والفكرية، إلى جانب تحديد بعض الإشكالات المتعلقة سواء بماهية العمل النحتي، أو الفضاء العمومي كراهن. 1- المنحوتة: شكل تعبيري دلالي: “فن التحت هو أحد جوانب الإبداع الفني، وهو فن تجسيدي يرتكز على إنشاء مجسمات ثلاثية الأبعاد، كما أنه تنظيم منسق للكتل الموجودة في فضاء حقيقي، والعناصر التشكيلية في النحت هي “الكتلة- الفراغ- الخط- النسيج” وعلى إثره فإن وظيفة النحات هي تنظيم هذه العناصر في تكوين موحد، ويبدأ التنظيم لدى النحات بالمادة سواء كان حجر أو خشب أو طين أو غيرها من المواد، تمر بعمليات متعددة قبل أن تتخذ شكلها النهائي والذي هو نهاية العمل المنجز”1. عبر هذا التحديد لمفهوم النحت، إحالة لدور المنحوتة المنجز في كونها شكلا من أشكال التعبير، ذات معنى ورسالة، لتُقبَل بتحديدات جمالية وفكرية شكلا وأسلوبا. فهي مجال تواصلي اتصالي، والذي يفرض مضمون، فمتقبل لهذا المضمون. من هنا إحالة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه النحت في ترسيخ الحاضر وتسجيله في علاقته بالمعاش، وما يمكن أن يفرزه من انتاجات تجمع الأسلوب والمضمون بمتغيراتهما ضمن المسار الفني بشكل عام. ففي التعبير هنا عن النحت، بما هو تعامل مرتبط بالتقنية والمادة، بحسب زاوية معالجة الموضوع، إنما يمنح مجالا أرحب للتعبير، ومن هذا الإطار محاولة ة لاستبيان مدى حضور النحت في الفضاءات العمومية، في تونس، أي حضور للمنحوتات؟، وأي دلائل تعبيرية في علاقة بفضاء عرضها؟. فبالعودة إلى ما تزخر به البلاد التونسية من تراث هام (مادي ولا مادي)، يعكس تعاقب الحضارات وخصوصياتها، ليكون مسجلا في المكان والزمان، ومتناقلا كفكر بين الأجيال. يمكن أن يكون كمجال تنبع منه الرؤية الفنية في علاقة بالمنحوتات أو المجسمات في الفضاءات العمومية. هذا التنوع في الموروث، وبتوزعه على عدة جهات بالبلاد، إنما يوفر أرضية عمل لاستيعاب هذا التنوع في المجال الفني والتشكيلي، وتطويعه كسياق تعبيري جمالي. فالفن عموما يمكن وصفه بمقياس للشعوب في مدى تطورها اجتماعيا، اقتصاديا وثقافيا …، بوصفه انفتاح على الداخل والخارج، وكما يرى الفيلسوف المعاصر إروين إيدمان بأن طبيعة الفن هي “ تغيير الحياة وتقديم خبرة جديدة حولها، فالفن هو الإسم الذي يطلق على العملية الكلية الخاصة بالذكاء، والتي من خلالها تقوم الحياة التي تعي شروطها جيدا بتحويل هذه الشروط إلى تفسير يثير الإهتمام على نحو كبير”.2 هذا السياق في مدى انفتاح الفن عموما والنحت خصوصا كمنجز فني، يفرض عدة توجهات في الممارسة الفنية في حد ذاتها لتتحدد خصائص المنجز الفني والذي يمكن أن يتوزع بين النقل المباشر للموروث، والذي يمكن أن يتنزل في باب الحرف التقليدية، واستيعابها كمنجز فني، أو بنقلها إلى مجال الفن التشكيلي عبر استغلال خواصها شكلا أو مضمونا. إن هذا التوجه في الممارسة التشكيلية وخصوصا منها النحتية، بين النقل أو الاستيعاب للموروث، كما من …