ملامح من أعمال فنان عصر النهضة” مايكل أنجلو “

19 مارس، 2018 التعليقات على ملامح من أعمال فنان عصر النهضة” مايكل أنجلو “ مغلقة فن تشكيلي

يعد عصر النهضة،والذي امتد من القرن الـ14 وحتى منتصف القرن الـ17 في أوروبا- أي بعد انتهاء عصور الظلام الوسطى، وبداية المناداة بحرية الفكر وتجديده والخروج على الأطر الجامدة-بداية انفتاح المبدعين على تطوير الفنون، والسعي نحو خلق واقعية جديدة في تصوير ومحاكاة الطبيعة، حيث قاموا بدراسات متأنية للطبيعة والشخصية الإنسانية كتجسيد للثورة الثقافية والفنية، التي قامت ببعث شامل للآداب والفنون التي كادت أن تندثر.

ومن الأسماء المميزة لفناني عصر النهضة،نستعرض اليوم حياة الفنان مايكل أنجلو(1475-1564م) وهو نحات ورسام ومعماري وشاعر إيطالي، اتخذ من الجسد البشري مركزا لأعماله الفنية، كان مقتنعا أن مصدر الفن هو الأحاسيس الداخلية، التي تنتج من تأثر الفنان بالبيئة المحيطة، وكان لإنجازاته الفنية الأثر الأكبر على نهضة الفنون ضمن عصره وخلال المراحل الفنية الأوروبية اللاحقة.

اعتبر مايكل أنجلو أن جسد الإنسان العاري الموضوع الأساسي بالفن،مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات المختلفة، حيث يلاحظ أن جميع فنونه المعمارية لا بد أن تحتوي على شكل إنساني من خلال نافذة، جدار أو باب   سواء كان تحدي جسدي أو عقلي .

تميز طابع مايكل أنجلو الفني بالتحدي ،وهذا ما انعكس على أن أغلب المواضيع التي كان يعمل بها كانت تستلزم جهدًا بالغاً،سواء كانت عبارة عن لوحات جصية أو لوحات فنية حيث كان يعمد إلى اختيار الوضعيات الأصعب للرسم،إضافة لذلك كان دائما ما يخلق عدة معاني من لوحته من خلال دمج الطبقات المختلفة في صورة واحدة، وأغلب معانيه كان يستنبطها من (الأساطير، الدين ومواضيع أخرى)،واعتبر النقاد ان نجاحه في قهر العقبات التي وضعها لنفسه في صنع تحفه،كان مذهلا إلا أنه كثيرا ما كان يترك أعماله دون إنجاز وكأنه يُهزم بطموحهِ نفسه .

اعتبر الكثير من أساتذة الفن أن منحوتات مايكل أنجلو النابضة بالحياة تصدر إحساسا بقوة وعظمة الإنسان، كما أن أعماله التصويرية تتجلى فيها عبقريته النحتية، فتبدو وكأنها ستبرز من الجدار. وتأثرت أعماله الفنية بالفترة التاريخية التي عاصرها، بكل ما فيها من تعصب الكنيسة وتطرفها، كما شهد الطفرة العلمية بتبني العالم “كوبرنيكوس” لفكرة وجود الشمس، وليس الأرض كمركز المجموعة الشمسية.

ومن أهم أعماله الفنية والتي قد يصعب حصرها في هذا المقال، يمكن ان نستعرض لمحة من هذه الأعمال والتي من أهمها:

*نحت تمثال كيبوبيد(إله الحب عند الإغريق):

في بداية حياته المهنية، نحت مايكل أنجلو تمثالاً لكيوببد إله الحب عند الإغريق، مستخدماً النمط نفسه الذي كان كان يستخدمه اليونانيون في تصوير تماثيلهم، وبعد أن رأى لورينزو دي ميديتشي، راعي مايكل أنجلو ورب عمله، التمثال، اقترح القيام بخدعة مدروسة ،بحيث يقوم مايكل أنجلو بجعل التمثال يبدو وكأنه كان مدفوناً، ليباع في روما على أنه قطعة أثرية مما سيضمن ربحاً كبيراً للرجلين، وافق مايكل أنجلو على تنفيذ الخدعة، وبيع التمثال للكاردينال Raffaele Riario على أساس أنه قطعة أثرية مستخرجة حديثاً.

اكتشف الكاردينال الخدعة فيما بعد واستعاد أمواله، لكنه كان معجباً جداً بمهارة مايكل أنجلو، فدعاه إلى روما للاجتماع به.

بقي الفنان بعد ذلك عدة سنوات في المدينة الشهيرة، وحصل على تفويض لنحت تمثال “Pieta”، عمله الأول الذي أوصله للشهرة.

*تمثال بيتتا statua Batta 1547-1555 :

بيتتا تعتبر واحدة من الأعمال التي لايمكن نسيانها للفنان مايكل آنجلو في كاتدرائية القديس بطرس بمدينة الفاتيكان، ويجسد العمل تصويرا للسيد المسيح وهو في حضن أمه مريم العذراء بُعيد إنزاله عن الصليب، موضوع العمل كان مشهورا في فرنسا وشمالي أوروبا ذلك الوقت ،إلا أن الأعمال السابقة كانت غير ملائمة ،حيث كان يتم تصوير جسد مريم العذراء هزيلا صغيرا مقارنة مع جسد السيد المسيح ،فتصبح الصورة ركيكة وغير منطقية، كما أن المبالغة الهائلة في تصوير جروح السيد المسيح سعيا لاستثارة عواطف المشاهد كانت غير مبررة.

فنسخة مايكل آنجلو من هذه المنحوتة كانت نسخة غاية في الجمال والرقة،حيث صور مريم العذراء وهي تنظر نحو ابنها المضرج بالدماء نظرة صامتة شديدة الحزن والأسى على فقدانها لفلذة كبدها، وتكاد لا ترى الجروح التي ألمت بالمسيح، إلا أنك مع ذلك تتفاعل مع هذه المنحوتة وتتحرك مشاعرك بالضبط كما أراد مايكل آنجلو. وكان مايكل قد استخدم الإيماءات بدلاً من استخدام الجروح سعيا منه لاستثارة العواطف والمشاعر، حيث تستطيع أن ترى كيف تشد مريم العذراء انتباهنا إلى ابنها المتوفى بواسطة يدها اليسرى، في حين تلتفُ يدها اليمنى لتعانق المسيح برقة، رافعة ساعده قليلاً مما يجعل يده ممتدة مرتخية دون حراك.

*نحت تمثال David من كتلة واحدة من الرخام

كان من الصعب إرضاء مايكل أنجلو فيما يختص بنوع الرخام الذي يستخدمه في نحت تماثيله، لكنه مع ذلك استخدم في نحت تمثال “David” كتلة من الرخام رفض الفنانون الآخرون استخدامها، واعتبروها غير صالحة للنحت.

عرفت كتلة الرخام هذه بـ”العملاق”، وقد استخرجت من أحد المقالع قبل أربعين سنة لتصنع منها مجموعة من التماثيل، لكنها تركت في النهاية لكاتدرائية فلورنسا، وتلفت بعد ذلك و أصبح الرخام صلباً بسبب عوامل الزمن، كانت علامات أزاميل النحاتين الذين حاولوا نحتها وفشلوا ماتزال بادية على الكتلة، عندما بدأ مايكل أنجلو العمل عليها سنة 1501، واستطاع مايكل أنجلو في النهاية نحتها وإبداع أحد أكثر أعماله إبداعاً.

* مشروع المكتبة الأنيقة L’elegante Progetto Biblioteche (1524 – 1534) :

مشروع المكتبة الأنيقة (1524 – 1534) المتعلق بكنيسة القديس لورينزو فكانت التي جاورت

الكنيسة، ومن خلالها برهن مايكل انجلو على قدراته المعمارية حيث قام بدءاً من خلال هذا العمل وما تلاه من أعمال معمارية، بخلق منهج خاص به حيث دمج نمط الأعمدة المتجاورة مع الأقواس

والمثلثات وقام بحرفها وتنصيبها لتعطي شعوراً موجيا متدفقا، ومن خلال الدرجات تظهر لمسات مايكل انجلو بجعله الدرج محنياً ومكوراً بشكل يعطي إحساس بأن الدرجات تفيض للأسفل وبشكل عرضاني وليس للأعلى، للدرجات المستقيمة على الجانبين تجعل الناظر يشعر بانجذاب بصري

نحو الصعود على هذه الدرجات.

*كاتدرائية القديس بطرس Basilica di San Pietro (1506) :

تم تكليف مايكل انجلو بإكمال التصاميم المتعلقة بها، كان البابا يوليوس الثاني في البدء قد كلف بهذا العمل منافس مايكل أنجلو في ذلك الوقت دوناتو برامانتي وذلك في سنة 1506، حيث صور برامانتي الكنيسة على شكل الصليب الإغريقي المتساوي الأطراف مغطاة بقبة ضخمة، وعند بوفاة برامانتي سنة 1514 كانت الدعائم فقط قد أنجزت، بعد ذلك توالى عدد من المعماريين على بناء هذه الكاتدرائية،وفي النهاية وصلت إلى مايكل انجلو الذي عاد إلى تصاميم برامانتي فقام بتعديل التصاميم فضغط حجم الكنيسة وحرر الدعائم موحداً المنظر الخارجي مع أعمدة ضخمة ناتئة ذات رؤوس مستدقة اختتمها بواجهة مثلثيه، وحول قاعدة القبة مدد الأعمدة الناتئة بأعمدة مستديرة بالكامل متصلة بالقاعدة، وبالنتيجة كان مايكل أنجلو قد حل على بناء يعطي مظهراً معقداً يوحي بالقوة والمرونة بذات الوقت. قضى مايكل أنجلو معظم سنواته الذهبية في الإشراف على بناء كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان، وحتى عندما أصبح ضعيفاً، وغير قادر على الخروج من منزله، أشرف على العمل من منزله، فكان يرسل مخططاته ورسوماته إلى مكان العمل مع رؤساء العمال.

*كان شاعرا:

اشتهر مايكل أنجلو بفنه المرئي، لكنه كان أيضاً أديباً محترماً، فقد ألف عدة مئات من القصائد والأغاني خلال مسيرته، وغالباً ما كان يدون الأبيات أثناء عمله على تماثيله في ورشته.

تعتمد قصائده على التلاعب بالكلام، وتتناول مواضيع مختلفة، وبينما لم تنشر أعماله الأدبية أثناء حياته، فقد انتشرت في روما في القرن السادس عشر، واستخدمها بعض المؤلفين مع ألحانهم.

ورغم كون مايكل أنجلو من الفنانين شديدي التدين فقد عبر عن أفكاره الشخصية فقط من خلال أعماله الأخيرة، فقد كانت أعماله الأخيرة من وحي واستلهام الديانة المسيحية مثل صلب السيد المسيح ،و خلال مسيرة عمله فقد تعرف مايكل على مجموعة من الأشخاص المثقفين يتمتعون بنفوذ اجتماعي كبير،ويلاحظ أن رعاته كانوا دائما من رجال الأعمال الفاحش الثراء أو رجال ذوي المكانة الاجتماعية القوية وطبعاً أعضاء الكنيسة وزعمائها، من ضمنهم البابا يوليوس الثاني. كليمنت السابع وبولص الثالث،حيث سعى مايكل أنجلو دائما ليكون مقبولاً من رعاته لأنه كان يعلم بأنهم الوحيدون القادرون على جعل أعماله حقيقة .

بقي النحت حب مايكل أنجلو الأول، واستمر بالنحت في منزله حتى آخر لحظاته، فقبل أن يموت بعدة أيام عن عمر يناهز 88 عاماً، وقد كان ما يزال يعمل على منحوتة “Rondanini Pieta”.


الوسوم:, , ,

" حنان ناصر "

عدد المواضيع: 249 , الملف الشخصي:

محرره صحفية في مجلة الرافد الفكري