المنحوتات والمجسمات في الفضاءات العمومية 

7 ديسمبر، 2020 التعليقات على المنحوتات والمجسمات في الفضاءات العمومية  مغلقة فن تشكيلي

د. شكري عزيز

أي حضور وأي تفاعلية” 

 تقديم: 

يعد فن النحت من ‍الآليات والوسائل التعبيرية الفنية في تعامله مع المادة، الكتلة، والشكل، لتختلف فيه المواضيع

 الم‍طروحة بحسب التمشي الفني المعتمد، فتتنوع الأساليب والتقنيات كما من المواد والخامات 

خدمة للموضوع والذي يتوزع بين التشخيص والتجريد. 

فالنحت شكل تعبيري داخل الفضاء وبروز فيه كشكل تفاعلي مفضي للقراءة والفهم بحسب ما تمنحه 

العناصر المكونة لهذا الأخير.  

من هذا الإطار، تعبير عن شكل الحضور في المنحوتة وماهيتها داخل الفضاء، إلى جانب أغراضها 

المعرفية والفكرية كما من طرحها الجمالي شكلا ومضمونا. فإن تنوع التعبيرات والمواضيع النحتية مع 

انفتاحها على عناصر تكنولوجية، يمكن لها أن تسهم في دعم الممارسة الفنية وتفتح لها مجالا أرحب في 

أبر‍از الرؤية التشكيلية في حد ذاتها.  فالمنحوتة بوصفها شكل تعبيري و‍أ‍ثر فني محمل بالفكر ومستوعب 

لامتلاءات الفنان، هي أيضا حضور في الفضاء على اختلاف تحديداته (مغلق، مفتوح)، أي حضور 

كشكل تفاعلي داخل الفضاء أو بروز وتعيين فيه. فالنحت أسلوب والمنحوتة نتيجة تستقرئ في فضائها 

كبنية متكاملة وهو ما يمكن أن نعبر عنه بأسلوب وطريقة العرض التي تكسبها دلالتها الخاصة سواء في ذاتها

 أو في تفاعلي‍ّ‍تها داخل الفضاء. 

من هنا طرح لشكل المنحوتة ‍وأغراضها الفنية والتعبيرية، والتي تحمل للقراءة الجمالية وتموقعها في 

صيرورة الفن وراهنيته كفكر وممارسة، ‍وأيضا إلى قيمة الفضاء وخصوصيته كحاضن للمنحوتة سواء في 

شك‍له المحايد أو التفاعلي معها‍، وهو المجال الذي يطرح عبره استدلالات العمل النحتي ‍كأثر وكموضوع، 

أي حضور وأي معنى ؟، كما من أهمية ودور الفضاء في شكله العام في تحقيق غاية الأثر الفني في حد ذاته 

وبروزه لتكتمل الص‍ياغة‍

 الفنية ولتقبل بتف‍اعلية لدى المشاهد عبر استقراءات الفضاء ومكوناته. إن 

هذه العلاقات بين المنحوتة في شكلها العام والفضاء في شكله الخاص‍، يمكن أن تثير الجدلية القائمة 

الآن‍ في علاقة بالفضاءات الع‍مومية في تونس، وتموضع المنحوتات أو المجسمات فيها، مما يطرح 

أسئلة‍ عن قيمة العمل الفني النحتي، أي حضور؟ وأي تفاعلية في علاقة بالفضاء كمحقق لهذه الأخيرة؟ 

وأي أبعاد فكرية ‍وفنية وجمالية تتحقق عبر هذه العناصر؟. 

عبر هذه التحديدات الأولية تتنزل الإشكالية التالية: 

جدلية‍ حضور العمل النحتي في الفضاء العمومي ، بين انفتاح الرؤية والقراءة الجمالية‍، وضياع الفكر 

وتشويه المضمون. 

حدود البحث: 

تتمثل حدود البحث، في ‍قراءة العلاقة الكامنة بين العمل النحتي أو المجسم بالفضاء العمومي كحاضن 

لهذا الأخير عبر بعض النماذج، كعناصر متكاملة أو متنافرة، ومنه إلى بيان المتغيرات الممكنة فيهما 

والمانحة لقراءة فتقب‍ّ‍ل جديد ومتغير. 

أهداف البحث: 

يهدف البحث إلى دراسة أشكال حضور العمل النحتي والمجسمات في الفضاءات العمومية، واستبيان 

مدى تحقق ‍ال‍قيم الفنية والجمالية والفكرية‍، إلى جانب تحديد بعض الإشكالات المتعلقة سواء بماهية العمل 

النحتي، أو الفضاء العمومي كراهن. 

 

1- المنحوتة: شكل تعبيري دلالي: 

“فن التحت هو أحد جوانب الإبداع الفني، وهو فن تجسيدي يرتكز على إنشاء مجسمات ثلاثية الأبعاد، 

كما أنه تنظيم منسق للكتل الموجودة في فضاء حقيقي، والعناصر التشكيلية في النحت هي “الكتلة-

الفراغ- الخط- النسيج” وعلى إثره فإن وظيفة النحات هي تنظيم هذه العناصر في تكوين موحد، ويبدأ 

التنظيم لدى النحات بالمادة سواء كان حجر أو خشب أو طين أو غيرها من المواد، تمر بعمليات 

متعددة قبل أن تتخذ شكلها النهائي والذي هو نهاية العمل المنجز”‍1. 

عبر هذا التحديد لمفهوم النحت، إحالة لدور المنحوتة المنجز في كونها شكلا من أشكال التعبير، ذات 

معنى ورسالة، لت‍ُ‍قب‍َ‍ل بتحديدات جمالية وفكرية شكلا وأسلوبا. فهي مجال ‍تواصلي ‍اتصالي‍، والذي يفرض 

مضمون‍، فمتقبل لهذا المضمون. من هنا إحالة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه النحت في ترسيخ 

الحاضر و‍تسجيله في علاقته بالمعاش، وما يمكن أن يفرزه من ا‍نتاجات تجمع الأسلوب والمضمون 

بمتغيراتهما ضمن المسار الفني بشكل عام. ففي التعبير هنا عن النحت، بما هو تعامل مرتبط بالتقنية 

والمادة، بحسب زاوية معالجة الموضوع، إنما يمنح مجالا أرحب للتعبير، ومن هذا الإطار محاولة ة لاستبيان مدى حضور النحت في الفضاءات العمومية، في تونس، أي حضور للمنحوتات؟، وأي دلائل 

تعبيرية في علاقة بفضاء عرضها؟. 

ف‍بالعودة إلى ما ‍تزخر‍ به البلاد التونسية من تراث هام (مادي ولا مادي)، يعكس تعاقب ‍الحضارات 

وخصوصياتها، ل‍يكون مسجلا في المكان والز‍مان، ومتناقلا كفكر بين الأجيال. يمكن أن يكون كمجال 

تنبع منه الرؤية الفنية في علاقة بالمنحوتات أو ‍المجسمات في الفضاءات العمومية. هذا التنوع في 

الموروث، وبتوزعه على عدة جهات بالبلاد، إنما يوفر أرضية عمل لاستيعاب هذا التنوع في المجال 

الفني ‍والتشكيلي، وتطويعه كسياق تعبيري جمالي. فالفن عموما يمكن وصفه بمقياس للشعوب في مدى 

تطورها اجتماعيا، اقتصاديا وثقافيا …، بوصفه انفتاح على الداخل ‍والخارج‍، وكما يرى الفيلسوف 

المعاصر إروين إيدمان بأن طبيعة الفن هي  تغيير الحياة وتقديم خبرة جديدة حولها، فالفن هو الإسم 

الذي يطلق على العملية الكلية الخاصة بالذكاء، والتي من خلالها تقوم الحياة التي تعي شروطها جيدا 

بتحويل هذه الشروط إلى تفسير يثير الإهتمام على نحو كبير”.2 هذا السياق في مدى انفتاح الفن عموما 

والنحت خصوصا كمنجز فني، ‍يفرض عدة توجهات في الممارسة الفنية في حد ذاتها لتتحدد خصائص 

المنجز الفني والذي يمكن أن يتوزع بين ‍النقل المباشر للموروث، والذي يمكن أن يتنزل في باب الحرف 

التقليدية، واستيعابها كمنجز فني، أو بنقلها إلى مجال الفن التشكيلي عبر استغلال خواصها شكلا أو 

مضمونا. 

إن هذا التوجه في الممارسة التشكيلية وخصوصا منها النحتية، بين النقل أو الاستيعاب للموروث، ‍كما من 

مجاوزتهما كتحقيق لدلائل تعبيرية راهنة بحسب توجه فني ‍معين‍، إنما يفرض معاينة ومتابعة ‍للتجربة 

ذاتها، حتى تتحدد ملامحها في صيرورة الفن ضمن شكل من أشكال المقاربة الف‍نية فكرا ‍وممارسة.  

هذه التحديدات الأولية، في علاقة بشكل الممارسة الفنية النحتية، ومرجعياتها الفكرية الممكنة، إنما يفتح 

التعبير عن أطر الممارسة وخصائصها، سواء في كونها تسجيل أو تأريخ لحدث ما على اختلاف زمانه، 

ضمن طرح فني لا ينفي النقل المباشر للحدث وإنما يخرجه في شكل فني ‍يعكس قيما فلسفية‍، جمالية 

وفكرية …‍، أو في مجاوزة هذا التوجه ليحيل التعبير عن الممارسة الفنية الخاصة‍  والخالصة، سواء في 

شكلها العام أو الراهن بحسب الموضوع المطروح، لتتجلى القيم العميقة للفن كتعبير والية تخاطب واتصال 

فتواصل مع المشاهد.  

 هذا التنوع في المرجعية الفنية المعتمدة، إنما يؤسس لثراء في الممارسة التشكيلية وتنوعها عموما، كما 

يمكن أن يحقق جملة من ‍الامتلاءات الفكرية والتي تترسخ بالنقد وبتراكماته. هذا المسار الذي يوائم بين 

المنجز الفني وما يمكن أن يطرحه من فكر، إنما يقيم الدليل على أهمية التطرق إلى القيمة التعبيرية 

للعمل الفني في كل تجلياته، وفي كل مراحله سواء في ‍الإنشاء‍ أو العرض والتقبل.  

من هذا السياق، وعبر تحديد القيمة التعبيرية للعمل الفني عموما وأغراضه خصوصا، كشكل من أشكال 

التعبير، كما من الدور الذي ‍يمكن أن يلعبه ثقافيا، ‍اجتماعيا‍، اقتصاديا  ، إنما من أجل استبيان مدى 

تحقيق بعض المنجزات الفنية النحتية لهذه الأغراض، بناءا على منهج القراءة لها إنشائيا، فكريا، فلسفيا 

وجماليا، إلى جانب بعض التحديدات الأخرى سواء في العرض أو التقبل، وهو المجال الذي سوف يتم 

تحليله بناءا على مفهوم فضاء العرض، والتقبل. 

2- الفضاء العمومي‍: الفضاء المغلق والفضاء المفتوح 

يعتبر الفضاء في عمومه إطارا لظهور الشيء وبروزه كما من تعيينه، بحيث تتحدد أبعاده بناء على 

خصوصية الفضاء ومكوناته.  

من هذا الإطار محاولة لاستبيان خصوصية الفضاء العمومي كحاضن للعمل النحتي، والذي يمكن أن 

تتبدل فيه القراءة سواء للفضاء أو للعمل النحتي عبر العلاقة المحدثة بينهما، سواء ‍بالاتصال والتواصل، 

أو الحياد، أو النفور.  

فالفضاءات العمومية متنوعة، بين الحدائق العامة، ‍المتنزهات، مفترق طرقات، ‍الفضاءات الخاصة 

بالمؤسسات العمومية على اختلافها…، هذه الفضاءات تتوزع بين فضاءات مفتوحة وأخرى مغلقة، مما 

يفتح عدة توج‍هات في إنشاء العمل النحتي و‍موضوعه. فهي تساهم في ‍تأمين أرضية عمل وفضاء عرض 

للعمل النحتي، لتخلق به ديناميكية للفضاء بتحقيق خصوصية المكان، وهو ما يمكن التعبير عنه ببصمة 

وطابع المكان. 

هذا التواشج بين الفضاء والعمل النحتي، إنما يفتح لميلاد منهج تأريخي للفضاء العمومي بصفة عامة، 

وللجهة الحاضنة له بصفة خاصة، حيث يصير رمزا، فأثر واقع ومطبوع في المكان والزمان‍، وهو ما 

يمكن التعبير عنه بإمكانات استثمار العمل النحتي وخصوصي‍ا‍ته حتى يصير انعكاسا ثقافيا، معرفيا، 

محمل بأبعاد جمالية، تسهم في ‍الارتقاء‍ بالذائقة الفردية والجم‍ا‍عية لما تحمله من مضمون فني واجتماعي، 

بعيد كل البعد عن الإسقاطات الهجينة والتعبيرات المبتذلة ‍والركيكة ‍شكلا ومضمونا. ‍ف‍هو الإطار الذي 

يمكن أن نعبر فيه عن مكانة الفن التشكيلي عموما والنحت خصوصا في تونس، أي حضور؟ وأي تقبل؟ 

 والذي يقابله تحديد لخصوصية الفضاء‍ كحاو للعمل‍، فهل ‍تتوفر فيه شروط عرض العمل الفني؟ . 

يعد الفضاء ركيزة أساسية لحضور العمل النحتي وتقبله، سواء كان فضاء مفتوح أو مغلق، وبه تتحقق 

القراءة فالفهم والتأويل لخصوصيات المنجز الفني، حتى يصير نوع من ‍الانفتاح على أساليب جديدة في 

قراءة الفضاء في حد ذاته، ومدى استيعابه لمضمون المنجز الفني شكلا وأسلوبا. فهو مجال تتحدد فيه 

أهمية الفضاء وقيم‍ته‍، كما من قيمة المنجز الفني، كشكل تكاملي أو كنفور ‍وعدم تراكب، وهو ‍المجال 

الذي يمكن أن نعبر فيه عن مدى تأثير الفضاء في العمل الفني سواء بالإيجاب أو السلب، وكذلك الشأن 

بالنسبة للفضاء في علاقته بالعمل كجدلية تأثر وتأثير. 

في هذا السياق‍، يمكن أن نحدد قيمة الفضاء وموجبات التأثير السلبي على العمل النحتي والعمل الفني 

عم‍وما، بحسب تحديد مكوناته وخصائصه. فيمكن أن يحمل الفضاء عديد الدلالات، والتي يستسقيها من 

مكوناته، حيث يمكن أن تضحى هذه المكونات عائقا بصريا للمنجز الفني مما ‍يؤثر سلبا في عملية تقبل 

العمل ويفقده قيمته، وهو المجال الذي يمكن أن نعبر عنه بالفضاء الفوضوي الذي يحمل العمل لتلك 

الفوضى‍، فيصبح جزء منها. 

من هذا الإطار، استبيان للتوجهات الفنية والتعبيرية الممكنة في علاقة بالفضاء، سواء في كونها مستم‍َ‍د‍ّ‍ة 

لمضمونها وموضوعها من داخل تلك الفوضى حتى تساؤل الفضاء عينه بمكوناته، ضمن ‍إخراج فني 

يعكس عمقا دلاليا وطرحا فنيا خاصا، ف‍كرا وممارسة، والتي به تتحدد أطر التجربة الفنية ‍وتموضعها في 

صيرورة الفن، ل‍تفتح ‍بذلك آفاق‍ جديدة للفضاء وللتجربة الفنية عموما، أو في كونها إسقاط فضياع داخل 

الفضاء بغض النظر عن قيمتها المثلى لو وجدت كشكل مف‍رد في فضاء دون شوائب، يخدم بروز ‍العمل 

وظهوره. 

هذه التوجهات في علاقة بقيمة الفضاء، والطروحات الممكنة في علاقته بالمنجز الفني، إنما تؤكد في 

عمومها على ضرورة الموائمة بين فضاء العرض والمنجز الفني، سواء في كون الفضاء موضوع للعمل 

أو في كونه مجرد حامل له،  لتختلف التوجهات والتحديدات فنيا، فكرا وأسلوبا، وهو ما من شأنه أن يخلق 

مسارين في العملية الفنية، مسار مرتبط بولادة العمل من داخل خصوصية الفضاء، ومسار ‍آخر‍ ي‍ُ‍حمل 

فيه العمل إلى الفضاء بوصفه حامل له، وهو ما يعيدنا إلى بداية التحليل في علاقة بمضمون العمل 

الفني، والنح‍تي خصوصا، أي حضور؟ وأي تفاعلية؟. 

3- حدود الفضاء أم حدود المنجز: 

بالعودة إلى بعض النماذج النحتية ‍أو‍ المجسمات الم‍ُ‍نص‍ّ‍بة في بعض الفضاءات العمومية لبعض جهات 

الجمهورية التونسية، قراءة لشكل العمل وحضوره‍، ومدى استيعابه للمضمون الفكري والجمالي في علاقة 

بالطرح التشكيلي في حد ذاته، كما من ‍آلية الاتصال والتواصل داخل الفضاء، وما يمكن أن يمنحه من 

اس‍تدلالات في كيفيات الإنجاز وفروعه. 

هذا المنطلق في التحليل، عبر المعاينة لبعض النماذج من المنجزات النحتية، إنما يفتح القراءة أولا على 

قيمة المنجز في حد ذاته، كما من دراسة الفضاء الحاوي لهذا الأخير. فبعض هذه النماذج المنصبة في 

بعض الفضاءات العمومية، والتي تم ‍اختيار ال‍بعض منها (كما هو مبين في صور الأعمال)، إنما تفتح 

جملة من الإشكالات المتعلقة بحدود المنجز في حد ذاته، حدود في الشكل والمضمون كما من الإخراج. 

فهذه الأعمال تفتقر لرؤية تشكيلية خالصة فكرا وأسلوبا، ولكل ما يمكن أن يحمله العمل الفني من أبعاد 

جمالية، فلسفية، كما تم تقديمه سابقا.‍ لتضح‍ى عائقا بصريا، وإشكالا في الذوق ‍و‍كما جاء في كشاف 

اصطلاحات الفنون” للتهانوي بأن “الذوق قوة إدراكية لها اختصاص‍ بإدراك الكلام ومحاسنه الخفية‍،”3 

و‍كما ‍اقترحه أيضا “‍ماير” في وجود مكونين في عملية التذوق: أحدهما هو الذكاء الجمالي « 

Aesthetic Intelligence » ، وهو مرتبط أكثر بعمليات الإدرا‍ك، وقد تصوره ذا جذور وراثية إلى 

حد كبير، أما الآخر فهو الحكم الجمالي أو الذكاء التقويمي  « Evaluative Intelligence »، وقد 

تصوره مكتسبا ومتعلما وراجعا إلى الخبرة إلى حد كبير”‍4.  

عبر هذه التحديدات المفهومية، يعاد التساؤل عن واقع المنجز النحتي بوصفه مضمون فكري مدرك، 

ومدى تحقق‍ه‍ في الواقع المرئي والملموس‍، ليحيل بدوره إلى منحى التقبل المفضي للحكم الجمالي. 

فهذه السلبيات التي تطرحها ‍المنجزات المنصبة في الفضاءات العمومية (النماذج المختارة)، تقر بحدود 

المنجز كنشأة وكبداية‍، مما يفصله عن مسار التحليل لحدود‍ه  ضمن ‍مسار ‍ال‍تحليلي ‍ال‍جمالي و‍الفكري 

، فالحدود هنا أضحت حدودا فكرية، شكلية، تقنية …، تميت المضمون‍، لتميت الذوق وتسهم في تشويه 

الفضاء ‍على اختلاف علله‍، وهو ما يمكن أن نعيده لإشكالية الذوق ولمنهج وعملية التذوق بوصفها 

ارتباطا بالإدراك في معناه العميق، ‍فــــ”من خلال الإدراك تكون هناك إحاطة بالمدركات (بصرية، سمعية 

 إلخ)، ثم تكون هناك محاولة للتمييز بين هذه المدركات أي تحليلها إلى مكوناتها الأساسية ثم 

إعادة تركيبها في مكون كلي جديد”5.  

فهذه النماذج للمجسمات النحتية، على اختلاف ‍أشكالها‍، ‍إ‍نما تعكس ترجمة سطحية لما يمكن أن تتميز 

به جهة معينة من خصوصيات على اختلاف المجالات، على عكس ما يجب أن تكون عليه كواجهة أو 

كصورة مميزة لها‍ ضمن طابع جمالي خاص. هذا النقل البديهي والسطحي في موضوعات المجسمات، 

يعكس بدوره جملة من الإشكالات والأسباب المفضية لهذه النتائج، ومنها: 

أ-  تغييب أهل ال‍ا‍ختصاص: الفنان/النحات. 

إن تغييب ‍الفنانين و‍المختصين في مجال النحت، ‍و‍تكليف‍ “مقاولي الفن‍ بالنيابة”، من شأنه أن ينتج مثل 

هذه المنجزات، والتي تفتقر إلى رؤية فنية، ‍شكلا‍ ومضمونا‍، وتسهم إلى حد كبير في نقل مضامين جوفاء 

بصورة جرداء، إلى جانب عدم ‍الاهتمام بأبسط مقومات عرض المنجز الفني. 

 فبالرغم من تعدد الجامعات في مجال الفنون والحرف وما تكو‍ّ‍نه من دفعات طلابية، ‍إلى جانب ما تزخر 

به البلاد من ‍م‍كونين و‍مختصين في مجال النحت، يتم ‍تغييبهم‍ وتجاهل‍ه‍م في غالب الأحيان، ليتم 

الاستعانة‍ بغير المختصين‍، ‍وهو ما يعكس ‍واقعا سلبيا في التعامل مع الفنان عموما، والنحات خصوصا 

كشريك طبيعي في رهانات البناء الثقافي والاجتماعي  . 

ب‍- الإشكال المادي وأطر إنجاز العمل بين الرؤية السطحية وتفريغ المضمون. 

يعتبر العائق الما‍د‍ي، من المؤثرات على قيمة المنجز، لما يمكن أن يطرحه من تغييرات على هيأة العمل 

ومواده، كتغيير قصري ‍يؤثر بدوره على مضمون العمل الفني ويفرغه من محتواه الأصلي. فهذا التأثير 

يرتبط أساسا بمنهجية العمل وصيرورة ولادته، ليصير محكوما بالمادة في أدنى مستوياتها، ليس من باب 

الضرورة الفنية وطرحها الفكري أو الجمالي، وإنما من باب التجريد والتفريغ للمحتوى. 

فهذا التوجه في تنصيب الأعمال لغرض التزويق وملئ الفراغات بطريقة مبتذلة، يؤثر سلبا على مسار 

العملية الإبداعية‍، مما يفتح الباب أمام ‍أطراف غير مختصة وبخلفية انتهازية، هدفها تحقيق فائدة ربحية 

دون التطرق إلى قيمة المنجز في حد ذاته، وهو ما يمكن وصفه بالصفقات المشبوهة، ليصير تعميق 

لمشهدية سيئة في الفضاء ‍الحاوي للعمل. 

 أما في جانب ثان، ‍وفي ظل محدودية الإمكانات المادية لبعض البل‍ديات، تبرز بعض المبادرات، سواء 

لل‍مجتمع مدني أو ‍لل‍أفراد، من أجل التدخل في بعض الفضاءات وانجاز مجسمات باجتهادات خاصة 

ومحدودة، يمكن لها أن تأثر سلبا في العملية الإبداعية، ‍بالرغم من الحركة الإيجابية في السعي لضرورة 

التغيير والمشاركة في صياغة  ملامح جديدة لفضاءات مفقرة بصريا. 

هذه ‍الاجتهادات‍ والمبادرات‍، يمكن البناء عليها عبر التأطير والتوجيه‍، ومن خلال الاستناد والاستئناس 

بآراء‍ ال‍مختصين وتدخلاتهم كما من تجاربهم. فهذه التمشيات في معالجة الفضاءات العمومية في مسار 

عملية الانجاز لمنحوتة أو مجسم، ‍يجب أن تحتكم لجملة من الشروط حتى ترقى لتكون ‍آلية اتصالية 

تواصلية ذات مضمون ورؤية فنية وجمالية، تسهم إلى حد كبير في ضمان التغيير وتحقيق أبعاد التعبير 

كعمق فكري ‍يضمنه الأسلوب. 

ت-  المنجز‍ وحدود الفضاء: 

بالرغم من شساعة مضمون الفضاء كمفهوم في شكله العام، إلا أنه يبقى رهين التدخلات الممكنة فيه، 

أي في وصف الحالة بين الحاوي والمحتوى، كما من دلائلهما عبر هذا التصاهر وفي مدى تحققه في 

الواقع‍ كغاية وكغرض. من هذا الإطار، تعبير عن مدى تلاؤم المنجز الفني عموما بالفضاء المنصب 

فيه، ‍والذي يتأسس بالضرورة عبر دراسة مدى التكامل بينهما والروابط الممكنة عبر هذا التصاهر. من 

هذا الجانب، إحالة لمحدودية الفضاء في احتضان المنجز، كنوع من التنافر سواء في الشكل أو 

المضمون، كما من المؤثرات السلبية الممكنة التي يمكن أن تستقرئ‍ عبر هذا الإسقاط، وهو ما يحيلنا إلى 

التعبير عن ا‍جرائيات العرض في المنجز الفني في علاقة بالفضاء، ومحدوديتها، مما يؤثر سلبا على 

تقبل العمل وقراءته.  

ث- محدودية الصيانة والمتابعة:  

إن محدودية الصيانة للمنجز الفني، تفقده قيمته الأصلية، وتكرس منهجا سلبيا في تقبل العمل وقراءته 

جماليا وفكريا، كما يمكن أن ت‍عكس مدى الوعي الفردي والجمعي بضرورة الفن وبآلياته التعبيرية، وهو ما 

من شأنه أن يقيم دليلا عن مدى ارتقاء الشعوب ثقافيا، ‍اجتماعيا واقتصاديا، ك‍مقومات ‍منعكسة في ظواهر 

اليومي فعلا وممارسة. 

ج-  الإ‍ستراتيجيا السياسية والرؤية المستقبلية للواجهة الثقافية: 

 غياب لنظرة ‍آنية و‍مستقبلية في علاقة بدور الفن ثقافيا، ‍اجتماعيا‍، ‍اقتصاديا‍، حتى ترقى إلى مستوى 

تجذير الهوية والثق‍افة في ال‍مجتمع بشكل فني راق فكرا وأسلوبا، تعد من أساسيات تهميش الدور المنوط 

بالفنان ومنجزه على اختلاف مجالاته. ف‍في ‍علاقة بالمجال التشكيلي‍ عموما‍، تكاد تكون‍ الإستراتيجيات 

منعدمة أو برامج فضفاضة لا ت‍مت للواقع بصلة، حيث ‍تنحصر في إطار التظاهرات ‍الاحتفالية الوقتية  

بالتوازي مع أحداث وطنية، لتنتهي بانتهاء زمن التذكير بذلك الحدث. لتكون حينا ‍آخر مجرد خلفية 

لصورة جماعية افتتاحية هي ‍بالأساس دعائية سياسية بعيدة كل البعد عن مضمون المنجز الفني. 

  

خاتمة 

تتعد الأساليب الإنشائية للمنجزات النحتية، وتنفتح على جملة من الآليات المعاصرة خدمة للفكرة ولكيفيات 

المعالجة فالبناء. هذا ‍الانفتاح يمكن له أن يمنح مجالا أوسع للعملية الإبداعية بشكل عام، ويفتح الباب 

أمام الفنان بشكل خاص في تضمينه لرؤيته الفنية بأسلوب مجدد يضمن تحقق غايته المنعكسة في الأثر 

الفني. فالفن فكر وأسلوب، حامل لأبعاد جمالية متجذرة في تمفصلات المنجز كشكل وكمادة، ويتحقق 

بتقبل وقراءة هذه المكونات ضمن إطار منفتح على المكان وفي الزمان. 

هذه التمشيات الممكنة في المسار الفني والإبداعي، تخلق جملة من الطروحات الفكرية والجمالية، مانحة 

بذلك ‍آليات للقراءة، فالفهم والتقبل بالنسبة للمشاهد، وهو ما يمكن أن يحمله المنجز الفني ويولده من 

مثيرات تسهم إلى حد كبير في تأمين هذا المسار التفاعلي ومدى تحقيقه لجملة هذه الفروع المفهومية. 

فعبر هذه التحديدات، تبرز قيمة المنجز الفني في حد ذاته‍، وتتحدد أطره وإمكاناته، والتي يجب أن 

تُضمَن في مسار التجربة الفنية كقراءة خاصة بالفنان في بداياتها، لتصير مشتركا جمعيا منفتحة على 

التأويل والنقد. 

إن النماذج المقدمة في التحليل، يمكن ‍اعتبارها دليلا مرئيا، يسهم في إدراك مدى الوعي بضرورة الإبداع 

ومدى ‍الارتقاء‍ بالذوق، فتضحى إطارا كشفيا لتمفصلات عملية التدخل في الفضاءات العمومية بجوانبها 

السلبية، حتى تكون منطلقا في فهم “ميكانيزمات” التفكير وطرق التغيير. فهذه النماذج “العينات”، ‍تم 

التطرق إليها بوصفها “ظاهرة” ت‍ُ‍وجب الدراسة، وليس في أصل العمل كنموذج فني يطرح بدائل إنشائية أو 

جمالية.  

فهذه النتائج والإشكالات، وفي مجاوزتها تحليليا وبنيويا، تقيم الدليل على ‍ضرورة ‍الانفتاح على تجارب 

فنية ونحتية مهمة في البلاد، يمكن له‍ا أن تسهم في الارتقاء بالذائقة، كما من ‍تأسيس خطاب جمالي 

وفكري عميق‍ يكون محور العملية التواصلية والاتصالية ويضمن خصوصية المكان في الزمان.  

 

الهوامش: 

1- ناثان نوبلر، مدخل إلى تذوق الفن والتجربة الجمالية، دار المأمون للنشر والترجمة، بغداد، 1987، ص 71. 

2- شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي، دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، عالم المعرفة، العدد267، الكويت، 2001، ص 27. 

3- التهانوي، محمد على بن علي، كشاف اصطلاحات الفنون، المجلد الأول، القسم الثاني، طبعة كلنكة. 

4- Lindauer,M.(1981). Aesthetic Experience : a Neglected Topic in the psychology of arts. In: 

D.O’Hard (ed) Psychology and the Arts. N.J The Harvester Press. 29-75. 

5- شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي، دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، عالم المعرفة، العدد267، الكويت، 2001، ص 31. 

 

ا

 

 

 

 

نماذج ‍من ال‍مجسمات 

​10 

 

 

 

مجسم بمنطقة الكرم، تونس 

 

مجسم من مخلفات بلاستيكية 

بمفترق طرق، منطقة غمراسن، تطاوين 

 

 

مجسم “الكسكاس والمقفول” 

القيروان 

 

مجسم بولاية قبلي 

 

 د.شكريعزيز/تونس

 

سيرة   ذاتية   موجزة: 

د.شكري عزيز: من مواليد: 07-04-1984، ولاية نابل/ تونس. اشتغل خطة مدرس متعاقد بالمعهد العالي للفنون الجميلة بنابل، ثم مدرس (مساعد 

للتعليم العالي) بالمعهد العالي للفنون والحرف بالقيروان (من سنة 2012 إلى 2016) ثم بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس (من سنة 2016 إلى الآن)، 

ومتحصل على شهادة الدكتوراه (اللغة والأدب والحضارة العربية: اختصاص أدب) بملاحظة مشرف جدا، بكلية الآداب

 والعلوم الإنسانية بالقيروان. 

متحصل على شهادة الماجستير في علوم وتقنيات الفنون، اختصاص فنون تشكيلية، بالمعهد العالي للفنون الجميلة

 بنابل، وأيضا على شهادة الأستاذية في 

الفنون التشكيلية، اختصاص نحت، بنفس المعهد، وبكالوريا اختصاص تقنية. 

أنجز العديد من المعارض التشكيلية (جماعية وفردية) منذ سنة 2007، وقام بجملة من المنشورات العلمية في مجال الفنون التشكيلية. كما انخرط في 

جمعيات تهتم بالشأن الثقافي والفنون التشكيلية بتونس، كنائب رئيس جمعية “الفن للجماليات والانشائيات والجماليات تنسيقية جمعية “رقش” للثقافة والفن والتصميم بنابل. 

 

 

 

 


الوسوم:, , ,

" حنان ناصر "

عدد المواضيع: 249 , الملف الشخصي:

محرره صحفية في مجلة الرافد الفكري