السوسيولوجيا النقدية ومفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو Pierre Bourdieu
27 فبراير، 2022 التعليقات على السوسيولوجيا النقدية ومفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو Pierre Bourdieu مغلقة حنان ناصر شخصيات من الذاكرة
الدكتور: محمد اوبلوهو
الكلية متعددة التخصصات – اسفي
جامعة القاضي عياض – مراكش.
oublouhou@gmail.com
ملخص:
تعتبر هذه الدراسة محاولة للتعريف بأحد اهم علماء الاجتماع الفرنسيين المعاصرين من
خلال الوقوف على المفاهيم الأساسية التي وضعها هذا العالم لفهم وتفسير الظاهرة الاجتماعية
. والحقيقة ان بيير بورديو اغني علم الاجتماع بتحليلاته لكثير من القضايا التي شكلت
موضوع اهتمام العديد من علماء السوسيولوجيا، لكن الذي جعل بورديو متميزا على غيره من
السوسيولوجيين المعاصرين هو الجانب النظري الذي استند اليه في تحليلاته؛ وتأسيسه
لمدرسة جديدة في علم الاجتماع عرفت بالسوسيولوجيا النقدية والتي تعتبر من ابرز المدارس
المهمة خاصة في فرنسا. وهذه الدراسة تحاول تناول أحد المفاهيم التأسيسية التي جاء بها
بورديو وهو مفهوم الهابيتوس. بحيث حاولت التعريف بهذا المفهوم وتحديد خصائصه
وتقاطعاته مع باقي المفاهيم الأخرى التي جاء بها بورديو، وهي بالمناسبة مفاهيم عديدة
ومهمة. وفي اعتقادي يعتبر مفهوم الهابيتوس الذي وقع عليه اختياري أحد المفاتيح الأساسية
لفهم السوسيولوجية النقدية عند بورديو، ومدخلا ضروريا للإلمام بفكره وبتحليلاته. فهو
مفهوم يتردد في كل كتابات بورديو والتي هي بالمناسبة غزيرة وكثيرة. ان مفهوم الهابيتوس
الذي يقوم في صلب تحليل بورديو يرتبط أساسا بالتنشئة الاجتماعية والمحيط الذي يعتبر
أساس بناء الشخصية الفردية، بحيث يحدد ويوجه كل سلوكاتها ويجعلها متلاءمة مع محيطها
الذي تتقاسم معه تلك القيم والسلوكات تحقيقا لمبدأ التعاون والمشاركة الذي يقوم بين مجموع
الافراد وهو ما دفع بورديو لاشتقاق مفاهيم أخرى من الهابيتوس انطلاقا من خاصيته
التوليدية، ومن هنا يأتي الحديث أيضا عن مفهوم هابيتوس الطبقة او الفئة habitus de
classe وغيرها من المفاهيم الأخرى.
1 يعد بيير بورديو Pierre Bordieu (1930-2002) من ألمع علماء الاجتماع
المعاصرين. ومن أنشط المثقفين الفرنسيين الذين كان لهم تأثير واضح في الحياة الثقافية
الفرنسية على وجه الخصوص. لقد كان اهتمام بورديو منصبا أساسا على تحليل آليات انتاج
التراتبية داخل المجتمع. وكان أيضا من جملة علماء الاجتماع الذين يعتقدون بأن العوامل
الثقافية والرمزية لها دور حاسم في انتاج تلك التراتبية. وهذا ما جعل سوسيولوجيا بورديو في
تعارض مع السوسيولوجية الماركسية التي يعتقد منظروها أن العامل الاقتصادي هو العامل
الحاسم بالنسبة لتحليل وفهم أي ظاهرة اجتماعية. وقد وظف بورديو مجموعة من المفاهيم
التي حاول من خلالها مقاربة الظاهرة الاجتماعية. وفي هذا السياق يندرج مفهوم الهابيتوس
Habitus الذي حظي باهتمام أساسي ضمن نظريته السوسيولوجية، والتي تعرف
بالسوسيولوجية النقدية. فما هي طبيعة هذا المفهوم وما هي وظيفته وأدواره وقيمته ضمن
النظرية السوسيولوجية لبورديو؟
أصول مفهوم الهابيتوس.
تتمحور أعمال بورديو حول ثلاثة مفاهيم رئيسة وهي: مفهوم الهابيتوس habitus كمبدإ
للعمل عند الفاعلين الاجتماعيين، والحقل champ كفضاء للتنافس الاجتماعي الأساسي،
وأخيرا مفهوم العنف الرمزي violence symbolique باعتباره آلية أولية لفرض قواعد
الاخضاع والسيطرة.
لقد تأثر بورديو بأفكار عديدة وباتجاهات فلسفية وعلمية مختلفة، كان لها دور حاسم في
بناء هذه المفاهيم وصياغة نظرياته. وإذا ما عدنا إلى مفهوم الهابيتوس لا بد ان نشير إلى
وجود أثر واضح خاصة للمدرسة الفينومينولوجيا عند هوسرل Husserl (1859-1938)
وبالتحديد الى أفكار موريس ميرلوبوتني Maurice merleau-ponty (1908-1961)
وذلك عند حديثه عن الجسم الخالص corps propre وقواعد الفعل les dispositions à
l’action والحس العملي le sens pratique وأخيرا النشاط الغير النظري activité
athéorique ، وهي جميعها مفاهيم وتصورات كانت حاضرة في تحديد بناءه النظري،
خاصة إذا علمنا أن بورديو يملك من حيث دراساته تكوينا فلسفيا؛ سيوظفه لاحقا في مشروعه
السوسيولوجي الكبير.
لقد تم تطوير مفهوم الهابيتوس عند بورديو أواخر السيتينيات، وتم التطرق إليه كموضوع
لأول مرة في مقدمة لنشر أعمال اثنولوجية تهم منطقة القبايل، Esquisse d’une théorie
de la pratique (1972).، كما تم استكمال بناء هذا المفهوم في كتاب: Le sens
pratique (1980) ، 2 وهو مفهوم يستهدف في البداية تجاوز مفهومين هما: مفهومي الذات
sujet والفعل action اللذين كانا يهيمنان في المجال الثقافي الفرنسي.
لقد كان هنالك في هذه المرحلة تعارض بين النظريات التي تمخضت عن الفينومينولوجيا،
وخاصة الوجودية عند جون بول سارترJean-Paul Sartre (1905-1980) ، والتي تضع
الحرية المطلقة للفرد في صميم كل فعل؛ والنظريات التي تمخضت عن البنيوية، وخاصة
الانتروبولوجيا البنيوية لكلود ليفي ستراوسClaude-Lévi Strauss (1908-2009) ،
والتي ستجعل من أفعال الذات سلوكا حتميا، على الأقل، من خلال تشكل بنيوي للجماعة (
تصميم تلقائي للعلاقات بين الفئات الاجتماعية والوظائف داخل الجماعة، تصميم لا يعي به
الفرد أو يكون الوعي به ضعيفا).
ولمواجهة البنيوية أراد بورديو أن يعطي للذات قدرة مستقلة على الفعل، دون أن يمنحها
حرية مطلقة كتلك التي تمكنها منها الوجودية. فالحل الذي يقترحه بورديو هو أن يتم اعتبار
الفاعل، ومن خلال مختلف مراحل عملية التنشئة الاجتماعية التي تعرض لها؛ وخاصة في
مراحلها الأولى، قد استدمج مجموعة من مبادئ الفعل؛ والتي تعكس البنيات الموضوعية
للواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه. والتي ستصبح بواسطة هذا الاستدماج قواعد دائمة ومتنقلة
بحسب إحدى التعاريف التي سيقترحها بورديو للهابيتوس.
وهكذا فإن الفاعل، وبمعنى ما، سيسلك من تلقاء ذاته؛ خلافا للذات البنيوية التي تقوم
بتحيين القواعد بحسب (تأويل بورديو وسوسيولوجيون آخرون من بعده). وبالفعل فإن فعل
الفاعل هو نتاج لاستراتيجيات واعية يقوم بتطويرها. ومع ذلك فإن هذه الاستراتيجيات هي
مشكلة انطلاقا من تلك القواعد التي سبق وأن استدمجها الفاعل.
تعريف الهابيتوس عند بورديو:
لقد طور بورديو مفهوم الهابيتوس بقصد إيجاد نظرية متكاملة وشاملة للممارسة. ويعتقد
بورديو بأن الهابيتوس هو بمثابة قاعدة مكتسبة تتقاسم الجماعة أسسها الواعية واللاواعية.
وبالفعل فإن أي ملاءمة للهابيتوس يستدعي تطبيقا لتلك القواعد المعروفة والمشتركة،
المفهومة والمقبولة من قبل الجماعة، وذلك حتى لا تصبح ملاءمة ذلك الهابيتوس عبارة عن
انحراف.
يقول بورديو: إن الهابتوس هو “قانون محايث موجود في كل فاعل بحكم التربية الأولى
التي تلقاها، والتي تعتبر شرطا ليس فقط للتعاون بين الممارسات، ولكن أيضا لممارسات
التعاون. حيث إن كل الإصلاحات والتقويمات المنجزة بشكل واع من قبل مختلف الفاعلين
أنفسهم تفترض التمكن من السنن المشترك، وأن كل عمليات التحفيز الجمعي لا يمكن أن تتم
إلا بتوفر قدر من التوافق بين هابيتوس الفاعلين المحفزين agents mobilisateurs (
الأنبياء، زعماء الأحزاب…الخ)،3 وانتظارات أولئك الذين يحاولون التعبير عن طموحاتهم”
(Bourdieu, 1972, p 18).
ويعرف بورديو الهابيتوس باعتباره “بنيات مهيكلة (بفتح الكاف) قادرة على العمل كبينات
مهيكلة (بكسرالكاف)” (Bourdieu, 1980, p 88). فالهابيتوس بنية مهيكلة حيث يتم
انتاجها من خلال فعل التنشئة الاجتماعية، لكنها في الوقت ذاته بنية مهيكلة لأنها مولدة لعدد لا
متناه من الممارسات الجديدة.
وبالقدر الذي تشكل فيه هذه القواعد نسقا، يصبح الهابيتوس مصدرا لتلك الوحدة التي
تتحقق في أفعال وأفكار كل فرد. وقياسا أيضا بالأفراد الذين يتنمون لنفس المجموعات
الاجتماعية وخضعوا لتنشئة اجتماعية متماثلة، فإن الهابيتوس يفسر ذلك التشابه في طرق
التفكير والاحساس والفعل عند أولئك الافراد بكونهم ينتمون لنفس الطبقة الاجتماعية.
وهذا لا يعني أن قواعد الهابيتوس غير قابلة للتغيير: فالمسار الاجتماعي للأفراد قد يقودهم
إلى تغير الهابيتوس لديهم جزئيا. ومن جهة أخرى يمكن للفرد جزئيا امتلاك الهابيتوس
وتحويره.
إن الهابيتوس هو الذي سيشكل السلوكات العادية. وسيجعلها آلية وغير ذاتية “دالة من
دون أية نية للدلالة” (Bourdieu, 1998, p 88). وينظر إليه وكأنه مفروض من قبل النظام
الاجتماعي بكيفية بنيوية، وتتم إعادة انتاجه من قبل الفاعلين الذين يمنحون له البقاء بصورة
دورية.
إنه يمكن من التعبير عن النوايا الموضوعية من خلال تحفيز النوايا المعاشة للشخص
الذي يود القيام بها. إن الهابيتوس يشكل إذن تراثا اجتماعيا وثقافيا يتم التعبير عنه من خلال
الممارسات اليومية. ويقوم بتشكيل وضع كل فرد، ويميز ظروفه الخاصة. إنه يقحم الفرد
ضمن جماعة محددة من خلال وضع فاصل بين المقولات الاجتماعية والوضعيات الفردية،
وذلك بتبني هابيتوسات متنوعة.
ففي أعماق الفعل، نجد هنالك مجموع القواعد التي يتشكل منها الهابيتوس. ولهذا نجد
بورديو يفضل على مصطلح الفاعل acteur، والذي يستعمل عادة من قبل أولئك الذين
يحاولون التأكيد على المكانة التي يتوفر عليها الفرد؛ والتي تمكنه من الفعل بكل حرية،
مصطلحا آخر هو العامل agent، الذي سيؤكد على العكس من ذلك، على الحتمية التي
يخضع لها الأفراد. وهناك بعض الأعمال التي يؤكد من خلالها بورديو مع ذلك على العلاقة
بين الهابيتوس والحرية والانعكاسية réflexivité.
إن فعل الأفراد هو إذن بحسب تنظير بورديو، بالأساس نتاج البنيات الموضوعية للعالم
الذي يعيش فيه هؤلاء، والذي سيكون لديهم مجموع القواعد التي ستهيكل طريقة تفكيرهم
وإدراكهم وكذا طريقة أفعالهم. 4
الهابيتوس هو منتوج، وهو أيضا يشارك في انتاج البنيات الاجتماعية المبنية
structurées والبناءة. Structurantes ولا يمكن أن يوجد هنالك أي فرد خارج هذه
البنيات. ويبين مثال الطفل المتوحش فيكتور دي لافيرون Victor de l’Aveyron إلى أي
حد تساههم هذه البنيات المبنية والبناءة في بناء الفرد وتمكينه من التعبير. وأولى هذه البنيات
هي اللسان langue. وهي من الملكات المكتسبة الخاصة بسياق اجتماعي وثقافي تسمح
بتطبيق القدرات الفيزيولوجية للإنسان أي اللغة langage . فبدون لسان لا وجود للغة، ولكن
من دون ان تكون هنالك استطاعة للغة لا يمكن ان يكون هنالك لسان. فالعلاقة بين اللسان
واللغة ليست علاقة تعارض ولكن علاقة استعداد. ومنذ الوهلة الأولى فبفضل اللغة يمكن
انتقال التصورات والقيم من جيل إلى آخر. وهكذا فبالنسبة لعلاقة الجسد في التعبير عن
الشخصية يلعب الهابيتوس نفس الدور الذي يلعبه اللسان مقارنة مع اللغة.
إن الهابيتوس ليس مجرد تكييف conditionnement وحسب، يؤدي إلى إعادة إنتاج ما
سبق وأن اكتسبناه بصورة آلية. إنه ليس أيضا مجرد عادة نقوم بها بكيفية ميكانيكية. وبالفعل
فإن هذه القواعد تشبه إلى حد ما نحو اللغة الأم. وبفضل هذا النحو المكتسب بواسطة التنشئة
الاجتماعية يتمكن الفرد فعلا من انشاء عدد لا متناه من الجمل لمواجهة كل الحالات الممكنة
وذلك من دون أن يردد نفس الجمل. إن قواعد الهابيتوس هي من نفس هذا النوع: فهي عبارة
عن مخططات للإدراك والفعل تسمح للفرد بإنتاج مجموعة من الممارسات الجديدة المتلائمة
مع الوضع الاجتماعي الذي يتواجد فيه. فالهابيتوس له قدرة كبيرة على التوليد. وهو مصدر
المعنى العملي.
وتشكل القواعد البروتوكولية نظاما ديناميكيا معروفا ومعترفا به من قبل كل عضو من
أعضاء الجماعة، وبذلك تكون مشتركة أو خاصة بكل فئة اجتماعية، ويتشكل منها هذا النظام
في كليته. وتساهم تقنيات الترويض في إعادة تشكيل الجسم الإنساني حتى يتمكن من التعبير
عن شخصيته. وبالتالي تحويل ايماءاته إلى لغة. وهكذا يصبح الجسم الإنساني موضوعا
اجتماعيا مختلفا عن الجسم الحيواني بواسطة الترويض المختلف الذي يخضع له. إن الجسم
الخاضع للترويض يحتوي على قوة حيوية مثبتة فيه، تمكنه من وحدة الحياة الإنسانية وهي
مقتطعة من ذلك الخزان المتمثل في المجموعة الغير المتميزة من الاشخاص. وهذا الجسم
يمنح لهذه القوة ماديتها بحيث يصبح الوسيط الذي يحقق لها ان تكون متفردة وأن تكون قابلة
للتنشئة الاجتماعية. إن تقنيات الجسد تتغير بحسب المكان الذي يشغله الشخص في النظام
الاجتماعي والطبيعي العام، وذلك تبعا للعلاقات التي ينسجها مع الكيانات التي هي من نفس
الطبيعة، الأجسام الحية سواء منها الإنسانية أو الحيوانية.
وعليه فإن “هابيتوس الفئة” habitus de classe يشكل نسقا من الاستعدادات المشتركة
جزئيا بالنسبة لجميع منتجات نفس البنيات، 5والتي يتم إعادة انتاجها من خلال ذوات تم تشكيلها
بدقة. وعليه فإن ذلك لا يعني أن الاختلافات بين الأفراد لم تعد موجودة، وإنما فقط أن مجال
التعبير عن هذه الاختلافات ينتمي إلى نفس الفئة من الهابيتوس.
إن موقف بورديو يكمن في أن كل فرد يقوم بتحيين مجموعة من الإمكانيات المتاحة له،
وذلك من خلال حقل من “الممكنات”، لفائدة جماعته أو الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها. كما
أن كل نظام اجتماعي يستجيب لمبادئ محدودة قابلة للهيكلة. وهذا التصور على مستوى
الشخص والهابيتوس له صلة بنظريات ليفي ستراوس المتعلقة بأنساق النظام الاجتماعي،
وذلك حينما يضع كمقابل للأطروحات الانتشارية وجود مجموعة من الإجابات الممكنة،
والمواقف القابلة للتطبيق بالنسبة للإنسان.
ويميز بورديو الهابيتوسات عن الفئات الاجتماعية باعتبارها مبادئ تهيكل ذلك التناسق
داخل المجتمع بصورة عامة، حيث إن انتاج وإعادة انتاج هذه الهابيتوسات يقتضي انخراطا
لكل الأفراد المتدخلين في علاقات التكامل أو التضاد. كما يبرز بورديو وجود نظام شامل
للهابيتوسات والتي هي متعددة ومتنوعة بشكل تعاضدي وعادي عندما يتم تحيينها من طرف
فرد من الأفراد.
الخصائص العامة للهابيتوس
يقدم بورديو مجموعة من الخصائص باعتبارها مميزة لمفهوم الهابيتوس، ومحددة لماهيته
وهي:
1- ديمومة الهابيتوس:hystérésis de l’habitus
إن القواعد المشكلة للهابيتوس تتميز بالدرجة الأولى بخاصية الديمومة، وتستطيع الحفاظ
على بقائها في لحظات اختلاطها بغيرها. وللتفكير في هذه الخاصية وظف بورديو مصطلح
hystérésis de l’habitus. وبواسطة هذا المفهوم حاول تحديد الظاهرة التي من خلالها
يحتفظ الفاعل الاجتماعي التي تلقى تنشئة اجتماعية ضمن مجتمع محدد بمجموعة من القواعد
حتى ولو لم تعد ملائمة، وذلك مثلما يحصل مثلا في التحولات التاريخية العنيفة، مثل الثورات
التي انهت تلك الحالة الاجتماعية السابقة عليها.
وهناك مثال اسطوري أورده ماركس وبورديو أيضا وهو مثال دون كيشوط Don
Quichotte الفارس الذي يعيش في عالم لم يعد فيه أي وجود للفروسية وغير قادر على
مواجهة انهيار العالم الذي أصبح يعيش فيه، حيث أخذ يصارع الطواحين الهوائية والتي كان
يعتقد على أنها عبارة عن مجموعة من الطغاة.
ويقدم بورديو مثالا آخر في كتابه: Le bal des célibataires “حفل العزاب”، حيث
إن استراتيجيات الزواج تقاوم الزمن بوصفها هابيتوس وذلك في زمن فقدت فيه هذه
الاستراتيجيات كل معانيها، 6مخلفة بذلك أزمة تتعلق بالحياة الزوجية في المجتمع الزراعي
البيارني. (نسبة إلى بيارن Bearn وهي منطقة توجد في الجنوب الغربي لفرنسا)
2- الهابيتوس وخاصية القابلية للانتقال transposabilité de l’habitus
إن القواعد المكونة للهابيتوس هي أيضا قابلة للانتقال. ويعني بورديو بذلك بأن القواعد
المكتسبة من خلال نشاط اجتماعي معين، مثل الوسط العائلي الذي ينتمي إليه الشخص، يمكن
أن تكون قابلة للانتقال إلى وسط آخر؛ وأن تستعمل في نشاط آخر مثل الوسط المهني على
سبيل المثال.
وترتبط خاصية القابلية للانتقال هاته للقواعد المتعلقة بالهابيتوس بفرضية أخرى، هي
كون قواعد الفاعلين مترابطة فيما بينها. وتقوم هذه الفرضية في صميم كتاب بورديو المعنون
ب “التميز”distinction. La والذي حاول من خلاله أن يبين بأن مجموع سلوكات الفاعلين
هي مترابطة من خلال أسلوب style مشترك.
ففي كتاب La distinction والذي يتناول أساسا البنيات الاجتماعية، يبرز بورديو
وجود “أساليب للحياة” style de vie تقوم من خلال مواقف الطبقات المختلفة. فمثلا عمل
بورديو على إبراز ذلك الرابط الذي يوحد مجموع الممارسات الاجتماعية للعمال. وهكذا
فالعلاقة التي تربط العمال بالطعام هي مماثلة لتلك التي تعكس نظرتهم للفن. فبالنسبة للعمال
ينبغي أن يكون الطعام في المقام الأول مغذيا أي مفيدا ونافعا، وأن يكون في الغالب ثقيلا
وكثير الدهون، ولا يتم فيه مراعاة جانب الوقاية. كما أن نظرة العمال للفن تقوم على رفض
الفن المجرد والميل إلى الفن الواقعي، أي المفيد، بالإضافة إلى أن يكون فخما؛ أو بمعنى آخر
أن يكون تقيلا ومن دون صفاء.
وهذه الفكرة المتعلقة بالجدوى والفائدة يجد بوروديو أيضا ما يؤكدها في نوعية اللباس
الذي يستعمله العمال. والذي يكون بالأساس لباسا وظيفيا. وهذا الأسلوب في الحياة للعمال
يشترك في عدد محدود من المبادئ تتمثل بالأساس في: الوظيفية أو البراكماتية والبعد عن
الأناقة.
كما يعتقد بورديو بأن أسلوب حياة العمال يقوم بالأساس على تفضيل الجوهر على الشكل
في مجموع الممارسات الاجتماعية. وهكذا يرى في أسلوب حياة الطبقة العاملة أثر قواعد
هابيتوس الطبقة العاملة والتي هي بدورها نتاج لنمط حياتهم. إن حياة الطبقة العاملة هي في
الواقع خاضعة لمبدأ الضرورة وغياب للموارد الاقتصادية، وهذا ما ينتج عنه جملة من
القواعد التي يسيطر عليها البحث عن المفيد والضروري.
3- الخاصية التوليدية للهابيتوس
في كثير من النصوص حاول بورديو التأكيد على الخاصية التوليدية للهابيتوس. 7
فالهابيتوس هو تلك ” البنية المهيكلة (فتح الكاف) التي لها استعداد بأن تعمل كبنية مهيكلة (
كسر الكاف)” (Bourdieu, 1980, p 88) ومن تم فهي ذات خاصية متميزة تتمثل في
كونها أصل ذلك العدد اللامتناهي من الممارسات الاجتماعية.
فانطلاقا من عدد محدود من القواعد يستطيع الفاعل الاجتماعي من خلق عدد كبير من
الاستراتيجيات مماثلة لتلك التي يتوفر عليها النحو بالنسبة للغة ما. حيث يكون بمقدورنا
انطلاقا من قواعد جد محدودة أن يكون المتكلم عددا لا متناهيا من الجمل تكون متلائمة
بحسب كل مقام.
4- خاصية: الحس العملي
إن الخاصية التوليدية للهابيتوس مرتبطة بخاصية أخرى يطلق عليها بورديو بالحس
العملي. ويقصد به أن كل هابيتوس هو بمثابة انعكاس لواقع اجتماعي معين يكون ملائما له،
ويسمح للفاعلين – ومن دون أن يكونوا في حاجة إلى تفكير منظم وواع – الاستجابة بكيفية آنية
للأحداث التي يواجهونها. (Mauger, 2009, p 62)
وهكذا وعلى غرار لاعب التنس الذي تمكن بدرجة كبيرة في طريقة اللعب، والذي يجري
حيث توجد الكرة التي أرسلها الخصم ويحاول ردها من دون تفكير؛ لأنه أصبح متحكما في
آليات اللعب. فعلى هذا النحو سيسلك الفاعل في الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه مطورا بذلك
بفضل الهابيتوس الاستراتيجيات التي تتلاءم وضرورات المحيط. وهكذا فإن المبدأ الواقعي
للاستراتيجيات هو الحس العملي، أو ما يطلق عليه الرياضيون بحس اللعب le sens du
jeu باعتباره تمكنا عمليا في منطق أو الضرورة المحايثة للعب. وهذا الحس العملي يكتسب
من خلال تجربة اللعب، ويشتغل في تجاوز للوعي وللخطاب معا (Bourdieu, 1988, p
77).
وكما يقوم به كل لاعب للتنس، فإن الاستراتيجيات التي يعتمدها الفاعلون يمكن أن تكون
واعية أو لا واعية. إنها إذن بمثابة نماذج للعمل. بمعنى أنها ذات فائدة في تحقيق غاية محددة.
وباعتبارها كنتاج لواقع اجتماعي سابق ووفق تفاعلات الحاضر، فستحاول صناعة مستقبل
أكثر نفعا بالنسبة لتراثهم الخاص. إن هذه الاستراتيجيات ليست بالضرورة مختارة بكيفية
متعمدة، ويمكن أن تكون أكثر فعالية حتى وإن لم تكن لها أية قصدية (Dewerpe, 1996, p
191-208).
إن بورديو ومن خلال نظريته حول المعنى العملي سيلتقى فعلا بنظرية الفاعل العقلاني
l’acteur rationnel المهيمنة في مجال الاقتصاد. وذلك عندما ألح على أن الهابيتوس هو
بمثابة المبدأ الدي يحكم الاستراتيجيات التي من خلالها ينجز الفاعلون بحثهم عن المصلحة
والمنفعة. ولكن الاختلاف سيظل بينهما عميقا: فبورديو وعلى العكس من ذلك يريد أن يبين
بأن الفاعلين لا يقدرون الأمور وهم يحاولون الرفع من منسوب مصالحهم من خلال معايير صريحة وواعية. 8
لقد انتقد بورديو بقوة نظرية الفاعل العقلاني، ورفض فكرة أن يكون الفاعلون مجرد
استراتيجيات صغرى وواعية تسعى إلى تحقيق مصالح يتم التفكير فيها عميقا ومنذ مدة طويلة
. فبالنسبة لبورديو، وعلى عكس ذلك، سيوثر الفاعلون؛ ومن خلال الحس العملي، انطلاقا من
استعداداتهم الاجتماعية التي تنشأ تدريجيا عبر مسارهم الخاص، وستكون مندمجة في
أجسادهم بحيث يصبح حس اللعب « sens du jeu » لديهم ممكنا من دون حاجة إلى تفكير
واع.
استرتيجيات الزواج كمصدر لنظرية الحس العملي.
ابتداء من منتصف الستينيات اهتم بورديو بمجال القرابة الذي يعتبر من المواضيع التي
لقت اهتماما كبيرا من قبل الانتروبولوجيا الكلاسيكية. ويعتبر هذا الحقل من الأوراش الأولى
التي انطلق منها النقد الجذري للنزعة الموضوعية objectivisme المهيمنة في مجال
النظريات الانتروبولوجية. وانطلاقا من بناء نظرية يكون مصدرها هو الحس العملي حاول
بورديو أن يقيم قطيعة تامة مع النزعة البنيوية التي تعتبر في نظره مهتمة أساسا بدراسة
القواعد والمعايير التي تمكن من تفسير ممارسات الحياة الاجتماعية. وكانت أعماله
الاثنوغرافية حول منطقة القبائل بموازاة مع بيارن bearn مسقط رأسه بمثابة فرصة منحته
إمكانية اقتراح مفهوم جديد هو مفهوم استراتيجية الزواج stratégie matrimoniale.
بالنسبة لبورديو فالفرد الاجتماعي هو فاعل انفعل لمصلحة فردية او جماعية (جماعته،
عائلته)، ضمن إطار يحدده الهابيتوس الخاص به. وانطلاقا من مجموعة مختزلة من المبادئ
المعيارية تتطابق مع وضعية اجتماعية ووضعية مادية معينة يضع الفاعل الاجتماعي
الاستراتيجية المناسبة لتحقيق أهدافه. وعند تطبيق هذه الاستراتيجية في مجال القرابة، تبين لنا
بأن الافراد يقدمون على خيارات حاسمة عند الزواج من أجل الحفاظ أو تحسين الظروف
الاجتماعية لعائلاتهم. إنه مفهوم استراتيجية الزواج stratégie matrimoniale هو الذي
سيعمق وسيدقق رؤيتنا للمواقف الذي ظلت حتى الآن غير مفهومة.
وكمثال على ذلك فإن البنت في بيارن Bearn هي التي يعطى لها حق الإرث وليس الابن
حتى لا يتم تفتيت الميراث. ويستعمل بوروديو هنا مثال اللاعب بالأوراق الذي يحاول بناء
خطة للعب حتى يحقق أهدافه انطلاقا مما يتوفر عليه من أوراق ثمينة وكذا الأوراق الغير
المفيدة الموجودة بين يديه.
وختاما ومن خلال دراسة هذه الوضعيات الخاصة: (قانون الابن البكر droit
d’ainesse ، الاسبقية للذكور في حقوق الإرث، مسألة زواج الابن الأصغرmariage du
cadet) حاول بورديو أن يبني نموذجا للتحليل يكون فيه الزواج (الارتباط) والإراثة والبنوة
قبل أي شيء آخر، هي مجموعة من الممارسات يكون فيها المعنى مبنيا انطلاقا من
الاستعمالات المدروسة لكل شخص (Bourdieu, 1972, p1105-11027). 9
5- الايلوزيو illusio.
لقد ذهب بورديو بنقده بعيدا ليشمل النزعة النفعية لنظرية الفاعل العقلاني. فالمنفعة لا
يمكن اختزالها عند بورديو في مجرد منفعة مادية. ويرى أيضا بأنه توجد هنالك عدد من
المصالح بقدرما توجد هنالك عدد من الحقول الاجتماعية المتعددة: فكل نوع اجتماعي معين
يقترح للفاعلين قضية خاصة. وهكذا فالمصلحة التي يبحث عنها رجال السياسة ليست هي
ذات المصلحة التي يسعى اليها رجال الاعمال: فرجال السياسة يعتقدون أن السلطة هي
المصدر الأساسي لأية مصلحة في حين يظل البحث عن اكتساب الثروات الاقتصادية الحافز
الأساس بالنسبة لرجال الاعمال.
وهكذا يقترح بورديو استبدال مصطلح المصلحة بمصطلح الايلوزيو illusio. ومن خلال
هذا المصطلح حاول بورديو أن يبين أنه لا يمكن أن توجد هنالك مصلحة من دون أن تكون
عبارة عن اعتقاد: أي الاعتقاد بأن هذه القضية الاجتماعية بالذات هي ذات أهمية وأنها تستحق
بالفعل أن نعمل من أجلها. وكما بين بورديو فالايلوزيو هو أن يكون المرء مدمنا على قضية
منشغلا بها، وأنها تستحق كل هذه القيمة، أو لنقل بكل بساطة أنها تستحق كل هذا العناء.
وبحسب بورديو فإن الايلوزيو مكتسب عن طريق التنشئة الاجتماعية.
وعليه فإن الفاعل الاجتماعي يعتقد أن قضية اجتماعية كهذه هي مهمة لأنه خضع لتنشئة
اجتماعية جعلته يعتقد مثل ذلك الاعتقاد. إن المصالح الاجتماعية هي إذن عبارة عن اعتقادات
مطبوعة ومثبتة اجتماعيا. ويكون هذا الاعتقاد أكثر قوة خصوصا عند أولئك الذين يطلق
عليهم بورديو بأبناء الحقل natifs ، أي أولئك الذين يملكون الخصائص الموضوعية
المطلوبة أكثر من غيرهم في هذا العالم الاجتماعي والتي تحقق فيه نسبة كبيرة من النجاح
(Costey, 2005, p 13-27).
6- أسلوب الحياة
بالنسبة لبورديو تعتبر أساليب الحياة عند الأفراد انعكاسا لوضعهم الاجتماعي. وهكذا
اجتهد بورديو ليبين ذلك الترابط القوي بين طرق العيش والاحساس والفعل عند الافراد،
وكذلك ميلهم ونفورهم من الاشياء على الخصوص، وعلاقة كل ذلك بالموقع الذي يحتلونه
ضمن التراتبية الاجتماعية.
ويعتبر الهابيتوس من بين الوساطات الأساسية لهذا الترابط. إن الافراد ومن خلال عيشهم
لنوع من الحياة الاجتماعية يكتسبون أيضا قواعد ثقافية محددة. وهكذا فإن العمال قد فرضت
عليهم حياة تحكمها الضرورة الاقتصادية بحيث تكون نظرتهم للطعام نظرة وظيفية حيث لا
يبحثون الا عن الطعام المغذي، اما الفن عندهم فلا يمكن الا ان يكون واقعيا. 10وهم يتصورون
الجسم كأداة ينبغي جعلها أكثر صلابة وذلك بالممارسة والرياضة وكثير من الجهد البدني.
ومع ذلك يعتقد بورديو بأنه في فضاء أساليب الحياة هناك عنصر أساسي يتمثل في منح
الشرعية للنظام الاجتماعي. وبالفعل وبما أن هذه الممارسات الاجتماعية ذات طبيعة تراتبية،
وأن هذه التراتبية تعكس التراتبيات الفرعية، فإن أساليب الحياة لها آثار فعالة للتمييز وإعطاء
الشرعية. فعلى سبيل المثال فإن الجماعات الاجتماعية المهيمنة ومن خلال حبها للموسيقى
المتميزة والراقية اجتماعيا مقارنة مع تلك التي تحبها الجماعات الاجتماعية الخاضعة؛ فهي
تجد في ذلك أيضا طريقة للتمييز على مستوى الاذواق. لكن هذا التميز هو أيضا إعطاء
للشرعية: إن الجماعات الاجتماعية المهيمنة متميزة لأنها تحب الموسيقى المميزة.
وهكذا يعتقد بورديو بأن جزءا من الصراع بين المجموعات الاجتماعية يتخذ شكل صراع
رمزي. إن افراد الجماعات الاجتماعية المهيمن عليها تحاول جاهدة بالفعل تقليد الممارسات
الثقافية للجماعات المهيمنة حتى تترقى اجتماعيا. لكن بما أن افراد الجماعات الاجتماعية
المهيمنة جد حساسة لهذا النوع من التقليد، فهي تحاول تغيير سلوكاتها الاجتماعية من خلال
البحث عن الأشياء النادرة التي يمكن أن تحفظ لها تميزها الرمزي. إن جدلية الكشف والتقليد
والبحث عن التميز بحسب بورديو هي أصل تحول الممارسات الثقافية.
والواقع أنه في خضم هذه الصراعات الرمزية تكون دائما الطبقات المهيمن عليها هي
الخاسرة. فمن خلال تقليدها للطبقات المهيمنة فهي تعترف بالتميز الثقافي، دون أن تكون لها
القدرة اطلاقا على إعادة انتاجه. فالرغبة تعلن عن فشلها لأنها تفرض نتيجة مسبقة منذ البداية،
مادامت تتقبل العجز الذي تحاول تجاوزه (Bourdieu, 1984, p 201)
إن الفضاء الاجتماعي بالنسبة لبورديو ذو طابع علائقي. فليست هنالك أذواق تكون في
ذاتها مبتذلة، وإذا كانت كذلك، فلأننا نضعها في مقابل أذواق أخرى نعتبرها ممتازة. فرياضة
الكولف لا يمكن أن تكون متميزة لو لم تكن هنالك رياضات أخرى مثل كرة القدم، والتي يمكن
ان نضعها كمقابل لها. وعليه فإن تميز بعض الممارسات الاجتماعية ستتغير تبعا للزمن،
وخاصة عندما ستعرف انتشارا في أوساط الطبقات الاجتماعية الدنيا.
وهكذا فإن أساليب الحياة متميزة على نحو موضوعي: فهي تعكس الملاءمات الاجتماعية
التي يتم التعبير عنها من خلال الهابيتوس. لكن هذه الأساليب هي أيضا نتيجة لاستراتيجيات
التمييز، والتي من خلالها يرمي الأفراد إلى إعادة بناء القيم الرمزية لممارساتهم ولأذواقهم
الثقافية قياسا لتقليدهم للمجموعات الاجتماعية الأقل حظا(Koch, 2013, p 45-54) .
نقد مفهوم الهابيتوس عند بورديو:
إن أعمال بورديو كانت موضع اهتمام نقدي خاص نظرا لحجم تأثيره في العلوم
الاجتماعية. وسيكون من الصعب ابراز نقط القوة للانتقادات الموجهة لأعمال امتدت لأزيد
من أربعين سنة. 11وهذه الانتقادات تعود لمدارس فكرية مختلفة في مجال العلوم الاجتماعية
كالماركسية وأنصار نظرية الفاعل العقلاني. وهذه الانتقادات موجهة لكل مناحي أعمال
بورديو.
ومع ذلك يظل هنالك نقد مهيمن بالنسبة لأعمال بورديو ويتعلق الامر بطبيعة التحديدات
الاجتماعية التي يستعملها في نظريته. والتي يتم وصفها بكونها صلبة وتبسيطية. وقد ذكر
بورديو مرارا في عدد من كتبه بأن مفهوم الهابيتوس هو مبدأ مولد للإبداع على نحو قوي.
وبصفة عامة فإن عالم الاقتصاد روبير بويي Robert Boyer قد بين على أن عالم الاجتماع
بيير بورديو مسلح بما فيه الكفاية للتفكير في تحولات الواقع الاجتماعي بعيدا عن التوليدات
الحتمية الموجودة فعلا (Encrevé et Lagrave, 2002, p 275-278). ويذكرنا جاك
بوفريس (1940-2021) Jacques Bouvresse بأن بورديو اتهم دائما بكونه يقترح حلولا
للواقع الاجتماعي لا يمكن أن تؤدي سوى إلى العدمية وإلى نوع من الإحساس بالعجز
الجدري. لكن بوفريس يؤكد على أن بورديو كان يبحث على العكس من ذلك على نوع من
المثالية الواقعية تعتمد على المعرفة وليس على الرغبة أو الاحلام والأفكار الكبرى والنوايا
الحسنة (Bouvresse, 2004, p 133-141).
وقد انتقدت نيكول كلود ماثيو Nicole-Claude Mathieu (1937-2014) – الباحثة
الانتروبولوجية ومنظرة الحركة النسائية المادية féminisme matérialiste – الهيمنة
الذكورية في رسالتها: “بورديو أو سلطة التنويم الذاتي للهيمنة الذكورية Bourdieu ou le
pouvoir auto-hypnotique de la domination masculine (Mathieu, 1999,
p 326-386) معتبرة “أن عمل المترشح تنقصه الصرامة التقنية والصرامة المنهجية
والصرامة المهنية. فهو يخطئ عن طريق التفكير وعن طريق الفعل وعن طريق الحذف
وعن طريق التشويه. وكل هذا ينبغي تأويله باعتباره رفضا لترك المجال للمواجهة بين
مختلف اشكال التحليل، وهذا ما يعطي للأطروحة نوعا من التأكيد وأنها ليست مجرد شهادة.
أما عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي برونو لاتور Bruno Latour فقد انتقد الوضع
المتعالي الذي تبناه بورديو وعلماء الاجتماع النقديين، فالفاعلون الاجتماعيون باعتبارهم
مجرد مخبرين يفتقدون التفكير (Latour, 2007, p 49).
خاتمة:
واضح ان مفهوم الهابيتوس عند بورديو رغم كل الملاحظات التي يمكن تسجيلها
بخصوصه، خاصة في ما يتعلق بطابعه، فإنه مع ذلك يتيح للتحليل السيوسيولوجي مقاربة
الظاهرة الاجتماعية من زاوية نقدية وهو بذلك يشكل إضافة نوعية. والواقع أن هذا المفهوم قد
مكن بورديو على المستوى الاجرائي بتوليد جملة من الأفكار المهمة في كثير من القضايا
السيوسيولوجية التي تناولها، واستطاع من خلالها أن يتقدم بالسوسيولوجيا الفرنسية إلى
الامام، 12ويعيد لها الريادة التي كانت لها مع دوركايمEmile Durkheim واوكست كونت
Auguste Comte. بحيث لم يعد بالإمكان الحديث عن السوسيولوجيا الفرنسية في الوقت
الراهن من دون الإشارة الى بورديو وإلى السوسيولوجيا النقدية التي يعتبر رائدها الأول. إن
مفهوم الهابيتوس هو مفهوم قاعدي تأسيسي ومحوري وهو أحد المفاتيح الرئيسة لفهم
السيوسيولوجيا النقدية وحضوره واضح في كل كتابات بورديو وفي جميع تحليلاته، وبدونه
لن يكون بالإمكان فهم هذه السوسيولوجيا. والواقع أن كل المفاهيم التي وظفها بورديو في
تحليلاته السوسيولوجية مثل التميز والرأسمال الرمزي، العنف الرمزي، إلى غير ذلك من
المفاهيم الأخرى التي أغنى بها بورديو البحث السوسيولوجي لا يمكن النفاد الى حقلها الدلالي
من دون استحضار لمفهوم الهابيتوس. ومن خلال هذه المفاهيم التي وظفها بورديو استطاع
ان يلهم كثيرا من السوسيولوجيين المعاصرين الذين اخذوا عنه سواء داخل فرنسا أو خارجها.
المراجع:
-Boltanski. L, De la critique, précis de sociologie de
l’émancipation, 2009, Paris, Gallimard.
-Bourdieu. P. « Différences et distinction », dans Darras, (dir), Le
partage des bénéfices. Expansions et inégalités en France, 1966
Paris, Minuit.
-Bourdieu. P. 1997, Méditations pascaliennes, Paris, le seuil.
-Bourdieu. P. 1988, Choses dites, 228 pages, Paris, Minuit
-Bourdieu. P. 1979, La distinction, critique sociale du jugement,
672 pages, paris, Minuit.
-Bourdieu. P. 1980, Le sens pratique, 480 pages, Paris, les
éditions de Minuit.
-Bourdieu. P. 1984. Question de sociologie, paris, les éditions de
Minuit.
-Bourdieu. P. 1972, Esquisse d’une théorie de la pratique, 272
pages, Genève/Paris, Librairie Droz.
-Bourdieu. P. 1998, Les règles de l’art. Genèse et structure du
champ littéraire, le Seuil, Paris.
-Bouveresse. J. “Bourdieu, savant et politique », 2004 , Agone,
Coll Banc d’essais. Marseille, France.
–Encrevé. P et Lagrave. Rose-Marie (dir), Travailler avec
13
Bourdieu, Flammarion, Paris, 2002, pages 368.
-Latour. B. Changer de société, refaire de la sociologie. Paris : la
découverte. 2007.
المجلات:
-Bourdieu. P, Les stratégies matrimoniales dans le système de
reproduction, Annales, Année 1972, pp. 1105-1127
-Costey. P. L’illusio chez pierre Bourdieu. Les (mes)usages d’une
notion et son application au cas des universitaires, Tracés, Revue
de sciences humaines, 8 /2005. P. 13-27.
-Dewerpe. A. « La « stratégie » chez pierre Bourdieu » Enquête, n
3, 1996. pages 191-208.
-Erec R. Koch, La pratique du gout : de Pierre Bourdieu a Antoine
de Courtin, Dans Dix-septième siècle 2013/1 (n 258) pages 45 à
-Mathieu, Nicole Claude. « Bourdieu ou le pouvoir
auto-hypnotique de la domination masculine », 1999, les temps
modernes, n 604, mai-juin-juillet, p. 286-324
-Mauger. G, Sens pratique et conditions sociales de possibilité de
la pensée « pensante », dans Cites 2009/2 (n38) pages 61 à 77.
الوسوم:السيوسيولوجيا النقدية, الهايبتوس, بييربورديو, علم الاجتماع
التعليقات مغلقة