الأردن ودوره التاريخي فــي حماية ورعاية القدس والمقدسات..!
27 فبراير، 2018 التعليقات على الأردن ودوره التاريخي فــي حماية ورعاية القدس والمقدسات..! مغلقة دكتور زاهر زكار شؤون عربيةالكاتب/ دكتور زاهر زكار
كان لا بـــد في ظل الحدث الخطير الذي شهده العالم مؤخراً،والمتمثل في قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل،ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس-كان لا بد من تسليط الضوء على الدور الأردني التاريخي المشرف،في ظل القيادة الهاشمية في حماية والحفاظ على القدس والمقدسات على مدار العقود الماضية.
لقد تحمل الأردن في ظل القيادة الهاشمية منذ بدايات القرن العشرين،مسؤولياته التاريخية والدينية، باذلا كل جهد متاح في مختلف المحافل وعلى جميع الصعد من أجل الحفاظ على المسجد الأقصى-الحرم القدسي الشريف ورعايته واعماره،والوقوف ضد أي محاولة لتهويده،حيث يقوم الأردن بدور مهم في مواجهة محاولات تهويد المسجد الأقصى المبارك،والسيطرة عليه وتقسيمه،فيما تتولى عمليات الإعمار للمسجد الأقصى المبارك،وإقامة المشاريع الحيوية التي يتم تنفيذها من خلال لجنة اعمار المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة التي تتولى مهام الإدارة والرعاية والصيانة والترميم في المسجد الأقصى للحفاظ عليه.
لقد تمسكت القيادة الأردنية الهاشمية على مدار العقود الماضية، بالمحافظة على المقدسات الدينية في القدس،وخصوصا المسجد المبارك-الحرم القدسي الشريف،والوقوف سدا منيعا أمام محاولات اسرائيل لتهويده والسيطرة عليه تمهيدا لتقسيمه.
ان القدس بالنسبة للقيادة الهاشمية ليست مجرد مدينة عادية او عاصمة مثل العواصم الأخرى،فهي بالنسبة للهاشميين قضية مركزية،إنها قضية وطن وأمة في إطارها العربي الإسلامي،كما أنها قضية انسانية بالدرجة الأولى،ولم يتوانى الأردن يوما بقيادته الهاشمية في العمل على حماية المسجد الأقصى المبارك،ولقد تصدى الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني،للمحاولات التي كانت تستهدف المساس بالمسجد الأقصى وفرض السيطرة الاسرائيلية عليه،ووقع جلالته والرئيس الفلسطيني محمود عباس في31مارس(اذار)2013 اتفاقية تاريخية،اعاد فيها الرئيس الفلسطيني التأكيد على أن جلالة الملك عبدالله الثاني،هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف،وله الحق في بذل كل الجهود القانونية للحفاظ عليها،وخصوصا المسجد الأقصى الذي يمثل حسب هذه الاتفاقية كامل الحرم القدسي الشريف.
وقد أكدت الاتفاقية على المبادئ التاريخية المتفق عليها بين الطرفين حول القدس،الأردن وفلسطين من بذل جميع الجهود بشكل مشترك،لحماية القدس والاماكن المقدسة من محاولات التهويد الاسرائيلية ،وكذلك حماية الممتلكات الوقفية التابعة للمسجد الأقصى المبارك-الحرم القدسي الشريف.
وتعتبر هذه الاتفاقية اعادة تأكيد على الوصاية الهاشمية،على الأماكن المقدسة في مدينة القدس منذ بيعة عام1924،التي انعقدت بموجبها الوصاية على الأماكن المقدسة للشريف الحسين بن علي، وأعطته الدور في حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس واعمارها،واستمرار هذا الدور بشكل متصل في ملك المملكة الأردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي.
لقد واصل الهاشميون حمل مسؤولية الأمانة تجاه المدينة المقدسة ومقدساتها،وخاصة المسجد الأقصى-الحرم القدسي الشريف،حيث بدأ الاعمار الهاشمي للأماكن الاسلامية منذ العام1924،في عهد الشريف الحسين بن علي،وفي عهد المغفور له جلالة الملك حسين بن طلال طيب الله ثراه،قامت الحكومة الأردنية في عام1952،بترميم قبة الصخرة المشرفة،الترميم الثاني للقبة وانتهى عام1964.
وفي نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي،أصدر جلالة المغفور له الملك حسين بن طلال، توجيهاته بتصفيح قبة الصخرة المشرفة بحوالي”خمسة آلاف”قطعة ذهبية،واعادة بناء دعامات السطح، وتصليح الأبنية الأساسية للمبنى.
وقد قام الهاشميون بدور كبير في الحفاظ على الثقافة والعمارة الاسلامية في القدس،حيث كانوا على الدوام هم الأمناء على الأماكن المقدسة فيها،يرعون هذه الأماكن ويحافظون عليها،حيث أن اعادة بناء منبر صلاح الدين، ليس إلا احد الأعمال الهامة العديدة التي قام بها الملوك الهاشميون للحفاظ على الأماكن المقدسة،وصيانتها على مدار العقود الماضية،وقد وضع هذا الجهد المشرف،الأردن في مركز الصدارة في مجال البحث العلمي الاسلامي والحفاظ على المعالم الثقافية.
أما جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين،فقد أوعز بإنشاء الصندوق الأردني الهاشمي،لإعمار المسجد الأقصى المبارك،بغرض توفير التمويل اللازم لرعاية المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة،والمقدسات الإسلامية في القدس لضمان ديمومة اعمارها وصيانتها وتوفير جميع المتطلبات اللازمة لذلك،وكان جلالة الملك عبدالله من أوائل المتبرعين للصندوق بالمال للحفاظ على هوية القدس وطابعها العربي،كما ان جلالته كان من أوائل المتبرعين بدمه من أجل فلسطين.
وقد أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني رسميا،الجهد الأردني لاعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي، بدلا من المنبر الذي احرقه يهودي استرالي عام1969،وأزاح اللوحة الرئيسية عن منبر صلاح الدين
إلى مكانها عام2007،في جامعة البلقاء التطبيقية،وانتهى العمل به وتم ركيب المنبر على المسجد الأقصى المبارك.
لقد حظيت القدس بما تشتمل عليه من معالم اسلامية ومسيحية،برعاية واهتمام جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين،سيرا على خطى الهاشميين الذين كانوا-وسيبقون بإذن الله-هم سدنة الأماكن المقدسة وحماتها حتى تبقى القدس من أولويات المملكة الأردنية الهاشمية.
وليس مغالاة في القول،ان المسجد الأقصى ظل في قلب ووجدان صاحب الجلالة الهاشمية،الملك عبدالله الثاني بن الحسين،كما كان في قلوب الهاشميين الذين ورثوا”سدانته”والاهتمام به،وحافظوا عليه ليبقى”صنو”و”توأم”المسجد الحرام،كما جاء في النص القرآني الكريم والسنة النبوية الشريفة.
والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها،ان الأردن بقيادته الهاشمية الأصيلة،ظل ملتزما بتحمل مسؤولياته التاريخية كاملة في رعاية الأماكن المقدسة،والحفاظ على هوية المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، من خلال المؤسسات الأردنية العاملة من أجل المدينة المقدسة،وفي مقدمة ذلك، وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية،ودائرة قاضي القضاة،ولجنة اعمار المسجد الأقصى المبارك، واللجنة الملكية لشؤون القدس.
ان السياسة الأردنية تجاه القدس والمقدسات،محكومة بجملة من المبادئ،تأتي في مقدمتها مركزية القضية الفلسطينية بإعتبارها جوهر الصراع الإسرائيلي-العربي،كما أن القضية الفلسطينية بالنسبة للقيادة الهاشمية،قضية وطنية وقومية ودينية في آن معا،وان القدس هي لب القضية الفلسطينية،ولا يمكن تحقيق حل دائم وعادل وشامل للصراع الاسرائيلي –العربي وجوهره القضية الفلسطينية،بدون انسحاب اسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس،وذلك بالعودة إلى خطوط الرابع من حزيران عام1967.
كما أنه من ضمن هذه المبادئ،ضرورة الاعتراف بحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره، وتمكينه من اقامة دولته المستقلة ذات السيادة التامة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس،وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم”181/1947″،وهو قرار التقسيم الذي يمثل القرار المرجعي الوحيدة لإقامة دولة اسرائيل،الذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين،دولة يهودية على مساحة56%من مجموع الأراضي الفلسطينية،ودولة فلسطينية على مساحة44% من مساحة فلسطين، وان يكون للقدس كيان خاص.
ثم يأتي مبدأ تمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم التي طردوا منها،وتعويض من لا يرغب منهم في العودة،وذلك وفقا لقرار الجمعية العامة رقم”194/1947″وهو القرار الذي جعلت منه منظمة الأمم المتحدة من اعتراف اسرائيل به شرطا لقبولها عضوا في الأمم المتحدة.
والواقع أن الحديث عن مكانة القدس في الفكر السياسي الأرني،يؤدي بالضرورة إلى الحديث عن مكانتها لدى القيادة الهاشمية الأردنية،بأبعادها الدينية والروحية والتاريخية والوطنية والقومية والدولية.
لقد جمعت القيادة الهاشمية في الأردن بين الشرعية الدينية والتاريخية للقدس،فمكانة القدس الدينية لدى القيادة الأردنية،تؤسس على مرتكزات دينية أهمها:
ـ ان القدس هي الأرض المباركة التي تحتضن المسجد الأقصى،ومسرى رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه،فمنها عرج به إلى السموات العلى بدليل قوله سبحانه وتعالى:”سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير“.
ـ ان القدس هي قبلة المسلمين الأولى،وثاني أقدم مسجد بعد المسجد الحرام بفارق أربعين عاما،فقد قال أبي ذر الغفاري رضي الله عنه:”قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟قال المسجد الحرام،قلت:ثم أي؟قال:المسجد الأقصى،قلت:كم كان بينهما؟ قال :أربعون سنة،ثم اينما ادركتك الصلاة فصل فإن الفضل فيه؟(رواه البخاري).
ـ ان احتضان القدس للمسجد الأقصى المبارك،وهو واحد من ثلاثة مساجد،لا تشد الرحال إلا إليها، كما قال رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه”لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام،ومسجدي هذا،والمسجد الأقصى“.
واذا كانت فضائل المسجد الأقصى تنسحب على القدس الذي تحتضنه،فإن من الطبيعي أن تحتل القدس بمقدساتها الاسلامية،مكانة محورية في فكر وسياسة القيادة الهاشمية الأردنية التي تتمتع بالشرعية الدينية،بحكم انحدارها من سلالة سيد الخلق نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه،وكذلك بشرعية التاريخ المتجسدة في الثورة العربية الكبرى،التي قادها الشريف الحسين بن علي،الذي يوجد قبره في المسجد الأقصى حسب وصيته،وكذلك كان نهج نجله الملك عبدالله بن الحسين الذي استشهد على باب المسجد الأقصى عام1951،الامر الذي يعبر عن انتماء روحي وتاريخي للقدس وأقصاها ومقدساتها الاسلامية الأخرى.
أما بخصوص مظاهر التعبير عن مكانة القدس لدى القيادة الهاشمية،فهي متعددة تبعا لتعدد أبعاد قضية القدس الدينية والسياسية،على الصعد الوطنية والقومية والاسلامية والدولية.
وتتجلى المظاهر العملية للبعد الديني لقضية القدس، في الفكر السياسي الأردني،بإهتمام القيادة الهاشمية بالحفاظ على المقدسات الاسلامية،واعادة بناء وصيانة المتهدم والمتضرر منها،من خلال سلسلة من الإعمارات التي عرفت في الأدب السياسي”الاعمارات الهاشمية للمسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس”(ولا يسع المجال لذكرها في هذه المقالة).
وحول البعد السياسي لقضية القدس على المستوى الوطنية،فإن كانت القدس هي لب القضية الفلسطينية بالنسبة للقيادة السياسية الهاشمية،فهي ليست قضية عربية واسلامية فحسب،بل هي بالاساس قضية وطنية أردنية،حيث أنه من الطبيعي ان تتطابق سياسة الاردن الداخلية مع النظرة الاردنية للقضية الفلسطينية لعدة أسباب أهمها:ان الضفة الغربية والجزء الشرقي من القدس كانت أرضا أردنية عند احتلال اسرائيل لها في الخامس من حزيران عام1967،وظلت القيادة الأردنية تنظر إليها هكذا،حتى قرار فك الارتباط في30يوليو1988،الذي استثنى من ذلك الأوقاف والمقدسات الاسلامية،وذلك حفاظا عليها من الخطر الاسرائيلي،بحجة فراغ السيادة الذي ظلت اسرائيل تتذرع بها لتكريس احتلالها للضفة الغربية،وضم القدس واعتبارهاعاصمة موحدة وأبدية لها.
لقد ظلت القيادة الأردنية تنظر للقدس،على أنها محور سياستها الوطنية والعربية والاسلامية الإقليمية والدولية،وان الاردن معنية بها بخاصة،وبالقضية الفلسطينية بعامة،حيث جاء في قرار الحكومة الأردنية في28يوليو(تموز)عام1994،الذي وسع فك الارتباط القانوني والإداري ليشمل بالإضافة إلى مديريات الاوقاف بالضفة الغربية،بإستثناء الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية والقضاء الشرعي في القدس.
ونظرا لاستمرار الدور الأردني الهاشمي في رعاية القدس وحماية مقدساتها،من اي خطر أو عبث، وخشية من استغلال أي فراغ ينشأ عن قرار فك الارتباط بالضفة الغربية،فإن الحكومة الأردنية انطلاقا من الولاية الهاشمية الدينية والتاريخية على المقدسات،تقرر استمرار المسؤولية الاردنية القانونية والإدارية على الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية والقضاء الشرعي في القدس الشريف.
ويتمثل الاهتمام الأردني بالقدس والقضية الفلسطينية فيما يلي:
1ـ أن الأردن يقوم بتوفير المظلة التفاوضية للطرف الفلسطيني من خلال وفد أردني-فلسطيني مشترك،ضم بعض الشخصيات المقدسية إلى مؤتمر مديد الذي تحول بقيادة المساعي القيادة الأردنية إلى وفد فلسطيني مستقل،يقود مفاوضاته بنفسه،والتي انتهت إلى توقيع اعلان المبادئ الفلسطيني-الإسرائيلي في البيت الأبيض الأمريكي بحضور الرئيس الأمريكي(أنذاك)بيل كلينتون،والرئيس
الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات،ورئيس وزراء اسرائيل(انذاك)اسحق رابين،وكان للقيادة الأردنية دور ملموس في تذليل المصاعب التي اعترضت طريق المفاوضات.
2ـ امتنع الأردن عن توقيع برتوكول المفاوضات الأردني-الاسرائيلي،قبل التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الفلسطينيين،وقد جاء فعلا توقيع الأردن على ذلك البرتوكول، بعد يوم من توقيع الطرف الفلسطيني لإعلان المبادئ الفلسطيني-الاسرائيلي الذي كان من اهم بنوده،الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اسرائيل.
3ـ كان تركيز الأردن على تلافي مخاطر البنود السلبية في اعلان المبادئ الفلسطيني-الاسرائيلي، وتحديدا تلك البنود ذات الصلة بالقضايا المؤجلة لمفاوضات الوضع النهائي والتي تمثلت في:
–مسألة القدس-مسألة الدولة،والسيادة والحدود-مسألة المياه-قضية اللاجئين الفلسطينيين.
لقد أثمرت الجهود الأردنية في تضمين برتوكول جدول أعمال المفاوضات الاردني-الفلسطيني، وكذلك”معاهدة السلام الأردنية-الاسرائيلية”الموقعة في وادي عربة في21تشرين الاول(أكتوبر)1994، نصا يعطي الأردن بموجبه أولوية عند التفاوض على الوضع النهائي للقدس،وذلك كما أرادته القيادة الأردنية من اجل الاحتياط لمفاجآت اسرائيل التفاوضية،وربما لتبقى القدس بشكل او بآخر ضمن الحصانة الأردنية،ان حاولت اسرائيل التلاعب بالصياغات في مفاوضاتها مع الطرف الفلسطيني.
4ـ الرفض الأردني المطلق التفاوض بشأن القدس بدلا من الطرف الفلسطيني او نيابة عنه.
5ـ التاكيد الأردني الدائم على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على تراب وطنه.
6ـ التمسك الأردني بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة.
7ـ التأكيد الأردني على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وتعويضهم عن معاناتهم.
8ـ رفض الأردن جميع مشاريع الالتفاف على حق تقرير المصير،للشعب العربي الفلسطيني مثل الكونفدرالية والفيدرالية،وعدم الخوض فيها إلا بعد قيام الدولية الفلسطينية،وذلك حرصا من السيادة الأردنية على مستقبل العلاقات الأردنية-الفلسطينية.
9ـ اصرار الأردن على تقرير شكل العلاقة الأردنية الفلسطينية مستقبلاً في استفتاء شعبي أردني -فلسطيني.
10ـ حرصت القيادة الهاشمية الأردنية على ابقاء قضية القدس،حية في الأذهان من خلال عمل مؤسسي تجسد في أمر جلالة المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال،اللجنة الملكية لشؤون القدس في21تموز(يوليو)1971.
وقد تركز نشاط اللجنة الملكية لشؤون القدس على عدة محاور تمثلت فيما يلي:
ـ ابقاء القدس قضية حية في أذهان الأجيال المتعاقبة،لى ان يقبض الله لها من يعيد تحريرها،كما حررها القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي عام1187م من الاحتلال الصليبي الذي دام88عاماً.
ان نشاط اللجنة الملكية لشؤون القدس هو ذا طابع توثيقي،من خلال نشرة توثيقية شهرية وهي”نشرة القدس التوثيقية”وذلك من خلال إصداراتها ،التي تتضمن قضية القدس بأبعادها المختلفة مع التركيز على عدم فصلها عن القضية الأم ،القضية الفلسطينية،بإعتبارها كلا لا يتجزأ من خلال العديد من المؤلفات التي تأخذ شكل الكتيبات والكتب.
ـ العمل على وضع الجهات الرسمية الأردنية وكل المؤسسات الأهلية،وكذلك الشخصيات المهتمة بوضع القدس في صورة مستجدات الأوضاع في القدس،والتعاون معها في فضح السياسة الإسرائيلية العدوانية في القدس.
ـ اهتمام اللجنة الملكية لشؤون القدس بالجانب الإعلامي بشكل خاص،وذلك بغرض التركيز على فضح سياسة التهويد الإسرائيلية للقدس،والتي أخطرها الاستيطان الاستعماري،والإعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية ،والعصابات المرتبطة بها وأعمالها التجريبية في البلدة القديمة،وبخاصة تلك الواقعة على الأقصى ولأماكن المقدسات الإسلامية المجاورة،والتي من أخطرها حفر الأنفاق والحفريات التي تهدف إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
ـ لقد خاطبت اللجنة الملكية لشؤون القدس،بحكم الحرص على تأدية رسالتها المكلفة بها رؤساء الجامعات الرسمية والخاصة،واتحاد الجامعات العربية ووزارة التربية والتعليم،وطلبت منهم ضرورة تدريس القدس لعموم طلابها،حيث قام البعض بإدراج للقدس مساقا اجباريا واختياريا للبعض الآخر، فضلا عن اعادة تدريس القضية الفلسطينية،مع ابراز القدس في المناهج التدريسية لوزارة التربية والتعليم الأردنية،كما عملت اللجنة الملكية بالتعاون مع المؤتمر الإسلامي العام لبيت القدس على وضع كتاب حول القدس للتعليم العام والجامعي.
لقد كانت للجنة الملكية لشؤون القدس عضوية،في اكثر من منظمة من منظمات المجتمع المدني العربية والأردنية والناشطة في مجال القدس والتي من أبرزها:الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة،ولجنة اعمار المسجد الأقصى برئاسة وزير الاوقاف والمقدسات الإسلامية، والمؤتمر الاسلامي العام لبيت المقدس،واللجنة العليا لاحتفالات القدس عاصمة الثقافة العربية لعام2009.
لقد كانت القضية الفلسطينية والقدس هما محور النشاط السياسي والدبلوماسي، لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين،وذلك منذ توليه سلطاته الدستورية في7فبراير(شباط)2001،لقد حمل جلالته هاتين القضيتين،بجانب الطموح الفلسطيني في التمتع بحقه في تقرير مصيره،واقامة دولته المستقلة ذات السيادة التامة على ترابه الوطني في الضفة الغربية، وقطاع غزة المحتلتين في عام1967،وعاصمتها القدس-حيثما حل جلالته،وذلك باعتبارها قضايا وطنية،فضلا عن أنها قضايا قومية وإسلامية،ولذلك بقيت تلك القضايا تستحوذ على تفكير جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين،وتسكن منه سويداء القلب،ومحور أحاديثه في كل لقاءاته مع مؤسسات ودوائر صنع القرار السياسي الدولي،وقد تجلى هذا الاهتمام الملكي الهاشمي بالقدس وفلسطين والدولة الفلسطينية،بوضوح في خطاب جلالته التاريخي أمام الكونجرس الأمريكي.
وكان جلالته الملك عبدالله الثاني ابن الحسين،مدرك تماما حجم وثقل المسؤولية الوطنية والقومية الملقاة على عاتقه،ولهذا كان من الطبيعي ان يوظف جلالته معايشته للمجتمع الأمريكي خلال فترة دراسته،لتحقيق الأثر المطلوب على أعضاء الكونغرس،وعلى الرأي العام الأمريكي والإدارة الأمريكية،الأمر الذي قادة جلالته بحكم ثقافته واطلاعه وخبراته الواسعة،إلى المزاوجة بين المدخل القيمي والمصلحي والوجداني والتاريخي في مخاطبته للكونغرس الأمريكي،وهذا ما كان له الأثر الكبير على سامعيه،وجعلهم يقفون إجلالا وإكبارا وتقديرا لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين احتراما لصوابيه أدائه.
لقد كان جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين،على يقين بأن القضية الفلسطينية هي أم الأزمات والمشكلات في الشرق الأوسط،وقد تمتد بخطرها إلى خارج الإقليم،وان حلها بالتالي مفتاح السلام، وهو يقود بالضرورة إلى حل المشكلات والأزمات المتفرعة عنها،مثل المشكلة العراقية،والمشكلة اللبنانية وغيرها من المشكلات في المنطقة العربية.
وعليه،فإن من المنطقي والطبيعي ان يتركز اهتمام جلالته على العمل الدؤوب،للتوصل إلى حل دائم وعادل وشامل للمشكلة الفلسطينية،وذلك باعتماد مقتربات أو مداخل من أجل تحقيق هذا الهدف المركزي في السياسة الأردنية الهاشمية،والتوجه إلى الأطراف التي يىى بأنها تملك سلطة التأثير والبناء على أطراف الصراع او مفاتيح الحل،والتي على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية للمساهمة في التوصل إلى السلام المنشود.
وكان جلالة الملك عبدالله الثاني،مدركا لحقائق ومعطيات الواقع العربي والاقليمي والدولي،واختلال موازين القوى التي تعمل جميعها لصالح اسرائيل ولصالح المشروع الأمريكي الشرق أوسطي،كما كان
مدركا أيضا لحدود القوة والقدرة لهاتين القوتين الإقليمية(اسرائيل)والدولية(الولايات المتحدة الأمريكية) كما كان يعي جلالته جيداً مدى ارباط نجاح المشروع الأمريكي الاقليمي والدولي،بفرص التوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية من جهة،ومستقبل الاحتلال الامريكي للعراق وافغانستان من جهة أخرى.
ويأتي هذا التحرك السياسي الأردني وجلالة الملك عبدالله الثاني-يتركز على مبادرة السلام العربية،التي أقرتها القمة العربية ببيروت في عام2002،والتي أكدتها قمة مكة التي انعقدت في أواخر مارس(اذار)2007،والتي مضمونها:سلام شامل مقابل انسحاب كامل،وقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية.
وقد أثمرت جهود جلالته بالتضافر مع جهود القيادتين،السعودية والمصرية إلى إقناع الإدارة الأمريكية(آنذاك)طرح خيار حل الدولتين:دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب دولة اسرائيل والمبادرة إلى العمل بهذا الاتجاه.
وكان هذا هو النهج الذي سار،واستمر عليه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين،في التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة،حيث ظل يشدد في اتصالاته مع الرئيس الأمريكي الجديد(آنذاك)باراك اوباما،على ضرورة أن تولي الإدارة الأمريكية الجديدة،اهتماما خاصا بإحياء عملية السلام على أساس حل الدولتين،باعتبار ان ذلك هو المدخل الحقيقي إلى تحقيق السلام والأمن الإقليميين والدوليين،وهو ما كان محور لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني وبين الرئيس الأمريكي باراك اوباما، الذي كان أول لقاء له مع زعيم عربي،تقديرا منه لدوره البارز في السعي للتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية يقبل به طرفا الصراع:الفلسطينيون والإسرائيليون.
الوسوم:الأردن, التاريخي, القدس
" دكتور زاهر زكار "
عدد المواضيع: 48 , الملف الشخصي: دكتور زاهر زكاركاتب وباحث أكاديمي ، مدير مركز الاشعاع الفكري للدراسات والبحوث.
التعليقات مغلقة